-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ابن باديس.. ودالادي

ابن باديس.. ودالادي

فأما ابن باديس (1889-1940) فهو عبدٌ صالح، يمشي على الأرض هونا، عاش حياته القصيرة أعواماً، مديدة أعمالا، أمّارا بالخير، دالّا عليه، قصر حياته على خدمة الإسلام ووطنه من غير أن يُسيء إلى أي دين آخر، أو يحتقر أي جنس، رادّاً ذاك كله إلى رب العالمين، فتربّع على قمة الإنسانية بقلب أتقى، وعِلْمٍ أنقى من أدران العنصرية التي يدين بها طغاة الإنسانية من الغربيين، وإن تبجّحوا بمبادئ الإنسانية، ومعلمتهم في ذلك هي أم الجرائم، فرنسا، التي قال شاعر عن دَعَاواها:

حُريّة، عدْلٌ، إخاءٌ، عندها       دِيستْ بفعلِ ذئابها

وأما دالادِي (1884-1970) فهو شيطانٌ فرنسي تمثّل بشرا غير سويّ، استعلى في الأرض بغير الحق، وتوهّم أنه سيخْرقها، وأن يبلغ الجبال طُولا، واغترَّ بما اعتلى من مناصب (ثلاث مرات رئاسة الحكومة الفرنسية، وزير الدفاع وغيرها). ولكنه في يوم الفصل مع الألمان كان أسرع من الرّيح المُرسلة، فنكَصَ على عقبيه، وما أجداه “جدار ماجِينُو”.. فاكتسح الجيشُ الألماني نصف فرنسا في بضع ساعات، وأن يُسجَنَ دالادي في ذلّةٍ وصَغَار..

قدّرَ الله -عز وجل- أن يشكل الجزائريون -في مرحلة استضعافهم- وفداً، توجّه في صائفة 1936 إلى باريس لعرض بعض المطالب البسيطة على “فرنسا الكبرى”، لأن “فرنسا الصغرى” -أي الولاية الفرنسية العامة في الجزائر- كانت صماء، عمياء، بكماء، فلما اتصل الوفدُ الجزائري بهذه الـ”فرنسا الكبرى” تبيّن للعارفين أنها أكثرُ صَمَماً وعمىً وبَكَماً.

كان إدوارد دَلادي يحتل منصب وزير الدفاع، وكان ممن التقاهم الوفد الجزائري الذي عرض مطالبه البسيطة وكان من ضمنها مطلب عدم التفريط في عناصر “الشخصية الإسلامية للشعب الجزائري” التي قال عنها الإمام الإبراهيمي: “ليس عندنا إلا مسألة واحدة يُعدُّ التساهل أو الغلط فيها جريمة بل كُفراً، وهي مسألة الحقوق الشخصية الإسلامية”. (آثار الإمام الإبراهيمي، ج1، ص249).

أرْغَى دالادي وأَزْبَدَ وهو يسمع التمسك بِمَطْلبِ “الشخصية الإسلامية”، ونَفَخ الشيطان في أوْداجه، واحْمَرَّ وجهه، وكاد يتفجَّر من الغيظ، فراح يهدِّد، ويتوعّد، ويذكِّر بـ”قوة” فرنسا، التي “لا تُقهر” وهو أكذَبُ الكاذبين، وأسْفهُ السافهين.

ساد الصمتُ القاعة كأنّ الطّير على رؤوس الجميع، وقطع هذا الصّمْتَ صوتٌ أذِن الله له أن يُرفعَ، فارتفع رادّاً على هذا المتَغطْرِس المتعاظم، إنه صوتُ الإمام عبد الحميد بن باديس، الذي استشعر عظمة الله –عز وجل- وقوته فتضاءل أمام عينيه ذلك المُتَعجْرفُ الفرنسي الذي كان يستعين على حماية فرنسا بأبناء الجزائر.. قال الإمامُ وقد أراد أن يُقزِّمَ دالادي ومن معه: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. الحق بجانبنا، والحق يعلو، ولا يُعلى عليه، ومهما يكن من أمر فإننا مستمرون في كفاحنا أحبّ من أحبّ، وكرهَ من كرِه”. (فرحات عباس: ليل الاستعمار، ص158). فبُهِتَ دالادي المجرم، وقدَّر الله أن يُبقِيَه “حيًّا” حتى يرى فرنسا “القوية” مطرودة من إفريقيا كلها بفضل أبناء ابن باديس وأحفاده، الذين نقلوا جهادهم إلى فرنسا نفسها، وجعلوها “ولاية سابعة” وحرّروا إفريقيا. ومذكرات المجرمين دوغول وصَالان تشهدان على ذلك. رحم الله “روح الجزائر” ابن باديس، وجميع شهداء الجزائر، ولعنة الله وملائكته الأطهار وعباده الأبرار على المجرم دالادي وأمثاله الفجار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!