الرأي

احتفالات ينَّايْر”: بين وعي الوحْدة ومَخاطِر رَسْم “الخَريطة العِرقيّة” ؟!

بومدين بوزيد
  • 1924
  • 10
أرشيف

كان أمَلي منذ ثلاث سنوات أن يكون الاحتفال الرّسمي بالنّاير كعيد شعبي – وطني خُطوة سِياسية تاريخيّة لافتِكَاك الهُويّة من التّلاعب السّياسي والاستغلال البَشِع من طرف من يَستندون لشرعيّة التّاريخ والعِرق في معارضة السّلطة وخُصومهم السّياسيين، وأن يكون هذا الاحتفال الوطني سِمة إدخال السّرور على العائلات وثراء ثقافتنا الشّعبية وتنّوعها وبُعدها الوطني للأمّة الجزائرية كلِّها كما ورثناها.

ونحن في أجواء التهديدات الخارجيّة التي تحدّث عنها السّيد رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون ومسؤولون في الدّولة قد يكون الخطر الحقيقي في بيتنا، “يُخْرِبُون بُيوتَهم بأيْديهم وأيْدِي المُؤمِنين” (سورة الحشر الآية 2) فنُشتِّت شَملنا بقصد أو بدون قصد برسْم “خريطة عِرقيّة” للجزائر على المستوى الثقافي ووعي المواطِن.

فاختيار مَناطق قصداً من الوطن من طرف مؤسّسات الدّولة ومسؤولين وبعض الجمعيّات للاحتفال الرّسمي بيناير أو ما يسّمّى في الذاكرة الشعبية ب”العَام” أي السّنة، وتختلف الأسماء وبعض تفاصيل العادة ولكن لم نسمع في طفولتنا وفي حكاية الأجداد أنّ هذا خاص بمنطقة دون أخرى أو يُعرِّقونه (من العِرق) أو يؤرّخونه.

إنّ الاحتفال الرّسمي غير مدروس بكيفيّة علميّة واستراتيجية منذ البداية به ببن سنوس (تلمسان) إلى (باتنة وغرداية) هذا العام، ويحرّك فِعلهم العاطِفة والمهرجانية وتصّور لا وطني ولا علمي، وبدل أن نفتكّه من الذين يُوظّفونه سياسياً نَحلُب في إنائهم ونؤدّي نفس الدّور في نشر “الخريطة العِرقيّة”، وقد يَلعب الاعلام في التأثير النّفسي والذّهني والثقافي في إنتاج وعي مزيّف بالخريطة التي يخططها “العِرق والتّاريخ” من خلال متابعته لنشاط بعض المسؤولين والتركيز على احتفال بعض المناطق من الوطن دون أخرى.

ويلتقي هذا “الوعي الشِّقاقي” مع مَن يَفتون بتحريم عادة اجتماعيّة ليست تعبُّديَّة، واعتبارهم الآخرين مُبتدعة ومن الفِرَق الضّالة، كلا الوعيين يعملان على نشْر الكراهيّة والتّفريق والتّمييز العِرقي والدّيني وهو ما تَنبذه وتُجرِّمٌه قوانين الدّولة الجزائرية.

في التَّاريخ نحتاج إلى رُؤية للبدايات الأولى، بِدَاية المُصَاهرة مع “خُبزِ الكَاهِنة”، فالقصّة المرويّة التي تُلخِّص حالة السّلم بين العرب والبربر تقول: أسَرت الكاهنة ثمانين رجلاً من جنود الفاتحين المسلمين وأحسَنت إليهم، واختارت منهم خالد بن يزيد العبسي وعَمِلت دقيق شعير – سمّاه ابن خلدون ّالدّشيشة”- ومزجته بحليب ثديِيها فأكل منه العَربي مع ابنيها الصّغيرين البربريين، وقالت لهم: “قد صِرتُم إخْوَة”، وليس “معركة تهَودة” التي استشهد فيها عقبة بن نافع -رضي الله عنه-، نعود أيضاً إلى بِداية رفض الاستبداد الرّوماني ومقاومة هذه الشّعوب له، وإلى بداية تبنّي “ديانة الدّوناتية” قبل الإسلام في مُواجهة “الكَثلكَة الرّومانية التي تُبرّر الاستعمار”

كانت الأرض تَسع شعوباً عاشت السّلم والحرب، العقل والقلب، الاستكانة والمقاومة، وفرصة هذا الاحتفال أن يكون من أجل إحياء تراثنا ودراسة تَنَوُّعه وغِناه واعتماده ميراثاً وطنياً عالمياً يُوَحِّد المُواطنين ويَفتح آفاقهم ويشيع ثقافة احترام الآخر.

فالكَراهية والعنف الّذي تَدعو إليه أيضاً ما أسميته “كَتائب الجَهل” في الفَضاء الأزرق قد يُوجَّه لأغراض ليست نظيفة، كما أنّ تبديع العادات والتقاليد باسم الدّين، وهي ليست طبعاً عبادة يدلّ على سوء إدراك للتّاريخ وطبيعة السّلوك الاجتماعي الّذي يحتاج للتعبير رمزياً ولغوياً وحركياً وطُقسياً، ولا يمكن نَزع ذلك، طبعاً قد يزول أو يتغيّر السّلوك “العَادة الاجتماعية” ولكن دوماً نكون مع سُلوك جديدٍ، أما ما يأخذه من مَعانٍ دينية أو اجتماعية فتلك مسألة لا تُقرّر بقرار أو بفَتوى ممّن يَسجن نفسه في مذهبيّة فقهيّة وآلية قياس عَقيمة ولا يستطع الخروج من ذلك.

كما أنّ الحكواتية من أشباه المؤرِّخين والأنثروبولوجيين في سَرد “قصص النّاير الشّعبية” عليهم أن يعتبروا ذلك وعياً شعبياً أو أحداثاً تاريخية قد وقعت فعلاً أضاف لها الخيال الشّعبي حسب حاجاته الاجتماعية والاقتصادية كما أضاف في سَرديّات الكرامة الصّوفية وليست حقائق تاريخيّة قطعيّة متواترة، وما بين الخيال والواقع مسافة يحتلّها الوعي الشّعبي وأفراحُه وآلامُه وأمالُه.

مقالات ذات صلة