الرأي

احتفال شعبي بالعلم.. في قرية الحُرّاية

محمد سليم قلالة
  • 2515
  • 8

مبادرات الأسر والأعراش وحتى بعض الأفراد في الجزائر العميقة لتكريم المتفوقين من أبنائهم جماعيا في الجانب العلمي بعيدا عن كل بروتوكولات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن قوى الأمل هي المنتصرة في آخر المطاف ببلادنا على عوامل اليأس، التي تبدو وكأنها قد أحكمت علينا في جميع المستويات…

 بالأمس فقط اغتنمت عائلات مختلفة من أولاد يحيى بمنطقة الزاب الشرقي ببسكرة مناسبة الدخول المدرسي والجامعي لتُنظم حفلا بهيجا يُكرَّم فيه أبناؤها المتفوقون في التحصيل العلمي من أسر مختلفة، سواء من خريجي الجامعات أو من الملتحقين بها لأول مرة، حضره جمع غفير من الأولياء والأبناء من كل الأعمار نساء ورجالا، شبابا وشابات… ودلالة الحفل الرمزية الكبيرة أنه تم بتمويل ذاتي دون اللجوء إلى المرافق العامة، وأنه لم ينظم بقاعة دُفع ثمنها مسبقا بأحد أحياء المدينة، كما أصبحت العادة اليوم عند المناسبات، إنما نُظم بالهواء الطلق في ساحة مفتوحة تتسع للجميع بقرية”الحُرّاية” الفلاحية التي دُشنت سنة 1978…

وهكذا عاشت شريحة من شرائح المجتمع الجزائري العميق الدخول المدرسي بطريقتها، وأعادت للعلم اعتباره، وساهمت في إعطاء دفع معنوي لأبنائها الذين سيلتحقون بالمدارس والجامعات، أو الذين أثبتوا تفوّقهم فيها، واحتضنتهم بالكيفية التي ينبغي أن يُحتضن بها الأبناء، وبدون شك تكون قد عَبَّدت لهم الطريق نحو النجاح.

وفي هذا إحياء لسُنة حميدة دأبت عليها أسرنا عندما كانت تُكرِّم المتفوق في العلم منذ أن يحفظ في طفولته الأولى بعض سور القرآن الكريم، من غير أن تكلف نفسها الشيء الكثير لأن الغاية لم تكن التباهي بالاحتفال إنما كانت تكريم النجاح ومكافأة التفوق معنويا قبل مكافأته ماديا.

وهو ما ينبغي أن ننوّه به اليوم، عندما يتم بمبادرات أسرية وبوسائل ذاتية تُعطي دفعا معنويا للتلميذ والمواطن بل وللمسؤول المحلي والمركزي الذي يصبح المحيط داعما ومكملا له غير مثبط للعزائم ولا حجة تقدم لتبرير انعدام النشاط..

فتحية لكل المبادرات من هذا النوع التي يرعاها أفراد أو تتم بعمل جماعي تطوعي هنا وهناك، ودعوة للسلطات المحلية والمركزية لتشجيعها وأخذها نماذج يُقتدى بها ودروسا وعِبر لمن سعى باستمرار إلى تثبيط العزائم والتبشير بأن عهد تفوق العلم على المادة قد ولّى، وعهد الاحتفال الشعبي به قد انقضى.. بل ودعوة لأن يكون الإعلان عن الدخول المدرسي شعبيا في السنة المقبلة على طريقة قرية الحُرّاية الفلاحية… 

مقالات ذات صلة