-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد تزايد حالات الطلاق وتشرد الأطفال.. حقوقيون وأئمة يطالبون:

احتواء المشاكل الأسرية لحماية المجتمع من التفكك

وهيبة سليماني
  • 589
  • 0
احتواء المشاكل الأسرية لحماية المجتمع من التفكك
أرشيف

مع ارتفاع معدلات الطلاق في الجزائر، لمستويات غير مسبوقة، وما تسببه الظاهرة من تفكك للأسر وضياع للأطفال ومحنة للمطلقات، يطالب حقوقيون وأئمة بتعزيز آليات احتواء المشاكل الأسرية، من خلال تقوية إجراءات الصلح وزرع ثقافة المسؤولية والتسامح وسط الأزواج وعلاج الخلافات الزوجية داخل محيط العائلة، وضمان حق المطلقة في المسكن الكريم حماية للأطفال من التشرد..
وقالت في ذات السياق، المحامية والحقوقية، فاطمة الزهراء بن براهم، إن جريمة العنف ضد المرأة ينبغي أن تحل تربويا وأن يلعب الصلح فيها دورا مهما، لأن العنف في حد ذاته بحسبها، يولد أزمات نفسية وأخلاقية، ويخلف أطفالا غير مستقرين اجتماعيا، فيساهمون بدورهم في تعقيد ظاهرة العنف في المجتمع.
وأردفت أن أكبر مشكل تواجهه النساء المعنفات هو غياب آليات الاحتواء، والاستقبال، موضحة: ” لا يوجد أماكن إيواء ولا أماكن عمل لكي تربي أولادها.. إن السكنات الاجتماعية تمنح باسم الرجل”.
وأكدت بن براهم أن مسألة السكن مشكل تواجهه المرأة المعنفة التي تطلق لأنها اشتكت العنف، حيث تجد نفسها مطرودة أحيانا رفقة أبنائها من السكن الزوجي، لذا، حسبها، هناك نقطة ينبغي التركيز عليها وهي أن السكن الاجتماعي هو ملك للدولة، فلا تطرد منه الزوجة.
وأضافت: ” إن الدولة هي المالكة للسوسيال، وعليها أن تحمي المرأة والأطفال، وهي التي تتصرف لتضمن إبقاء الحاضنة في البيت الزوجية”.
ودعت الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم، إلى العودة لمبادئ الشريعة الإسلامية، وأن يشارك الأئمة والمشايخ، المحامون والحقوقيون، في إصلاح ذات البين والمشاركة في مناقشة بعض النقاط القانونية والدينية التي تستدعيها المرحلة ومستجدات الحياة العصرية.
وأفادت بن براهم بأن العنف بين الأزواج وارتفاع حالات الطلاق، أدى بالمرأة في بعض الدول العربية والإسلامية إلى الإجهاض في مرحلة يكون فيها الجنين كاملا وفي الأيام الأخيرة لولادته، وهذا يعتبر جريمة مخالفة للشريعة الإسلامية، لان بكل بساطة هو أن خوف المرأة من المجهول يجعلها تجهض.
وكشفت في ذات السياق، أن بعض المحاميين فتحوا مكاتب لاستقبال الأزواج والعائلات التي تعاني العنف والصدامات، من أجل تقديم استشارات قانونية وحلولا تجنب الطلاق أو اللجوء إلى العدالة، والاستمرار في المشاكل والخلافات، حيث تتولى هذه المكاتب مهمة الإصلاح والصلح والحفاظ على كيان الأسرة الجزائرية.

معنفات يجدن أنفسهن برفقة أطفالهن في الشارع ليلا
وفي هذا الإطار دائما، أكد البروفسور رشيد بلحاج، رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، أن الطبيب الجزائري أول شاهد على معاناة المرأة، ومأساتها مع العنف، حيث وصل الأمر بحسبه، إلى أن تتواجد امرأة معنفة رفقة ثلاثة أطفال، دون أي مرافق لهم، وعلى الثالثة صباحا، في مصلحة الطب الشرعي.
وقال إن الطب الشرعي، أصبح يستقبل أشكالا غريبة للعنف بعد انتشار ٱفة المخدرات، والهجرة الشرعية والدعارة، وأضاف أن هناك أرقاما سوداء للعنف، فالمعطيات التي تتداول ليست حقيقية في جميع الأحوال، فزنا المحارم رقم أسود، ولا أحد يكشف ذلك، ولكن هناك جمعيات تتكفل بالنساء والأطفال المعرضين للعنف.

كوادر نسوية يمنعن من مواصلة عملهن
وتأسف البروفسور رشيد بلحاج، من استقبال حالات عنف الضحية فيها، طبيبات ومهندسات وكوادر نسوية في وظائف ومناصب عليا، تعرضن للضرب من طرف الأخ أو الزوج، بعد منعهن من مواصلة عملهن أو الذهاب في تربص أو مهمة خارج منطقة سكنهن أو خارج الوطن.
وحول الموضوع، أكدت ممثلة مديرية الأمن الوطني، رئيسة مكتب حماية الأشخاص الهشة، ياسمين خواص، أن هناك إجراءات لضمان الحماية للمرأة المعنفة، حيث تبعد عنها كل الضغوطات التي ترغم تنازلها عن الشكوى، ويكفل بها نفسيا في مركز الإيواء، في الوقت الذي تتنقل فيه الشرطة إلى مسرح الجريمة لجمع الأدلة، مؤكدة أنه منذ جانفي 2023 وإلى غاية سبتمبر الماضي تم إحصاء قرابة 4 آلاف حالة عنف جسدي ضد النساء، بينها 3 حالات ضرب وجرح مفضي، إلى القتل، فيما تم إحصاء في ذات الفترة 34 حالة تحرش جنسي في الشارع، و103 حالة عنف ضد المرأة من طرف الأبناء، وأكثر من 500 حالة عنف ارتكبها الأقارب، أما العنف الصادر من طرف الأزواج، فتم تسجيل أكثر من 2400 حالة، إضافة إلى 88 حالة عنف ضد الجنس اللطيف من طرف العشيق.

ضرورة إدراج التأهيل الأسري في التخصصات الجامعية
وتنديدا بالعنف ضد المرأة، قال الدكتور محند إيدير مشنان، مستشار بوزارة الشؤون الدينية، إن حقوق المرأة هي حقوق الإنسان، وإن الخير يجب أن يكون مع أقرب الأقربين، لأن الخيرية التي دعا إليها الرسول يجب أن تكون في أحضان الأسرة.
ودعا مؤسسات صناعة الرأي في المجتمع كوسائل الإعلام، إلى المساهمة في زرع ثقافة التسامح والمحبة والصلح، وتجنب الترويج للعنف من الإثارة وربح المال على حساب الأسرة الجزائرية.
وأكد مشنان على ضرورة انتهاج مقياس التأهيل الأسري في كل التخصصات الجامعية، حيث قال إن بعض الدول التي خطت هذه الخطوة لاحظت أن هناك تراجع في قضايا الطلاق بفضل هذا التأهيل.
وأوضح أن كل طلبة الجامعات يحملون معهم مشروع الزواج، وأن التأهيل الأسري يساعده في شق الطريق نحو الحياة المهنية والزوجية دون مشاكل.
وكما أعطى أهمية لجلسات الصلح، والمرافقة الاجتماعية، والتخطيطات البعدية، والتعليم الجيد والفعال.

انتشار العنف في المجتمع تصادم بين أجيال
وعن كيفية تحليل العنف ضد النساء والفتيات في الجزائر من الناحية الثقافية والاجتماعية، أوضحت البروفسور غنية ضيف، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الجزائر2، أن العنف ليس مجرد كلمة، وليس مجرد تكرار لأسباب ما، فعندما نتحدث عن العنف نتحدث، حسبها، عن ثقافة فرعية كالثقافات الأخرى مثل الفقر، فهي معايير تتفاوت في المخيال عن المرأة والرجل، وعن العلاقة بينهما.
وترى بأن ازدياد حالات العنف هو نتاج التصادم، بين الثقافة التقليدية والثقافة العصرية، لأن هذه البنية التحتية بكل ما تحمله من أفكار وتصورات تصور للرجل أن المرأة تغيرت فيعود إلى الصورة النمطية لجده الذي يسكن خياله ليعطيه القوة والسلطة.
وأوضحت ذات المتحدثة أن فترات التخلف الاجتماعي، كانت المرأة تعيش تحت سلطة مادية واجتماعية، ولكن مع خروجها للعمل، وتفوقها علميا وماديا، أصبحت تتلقى عنفا لفظيا ومعنويا، حيث الكثير من الأزواج، حسبها، يواجهون المرأة بالعنف الحميم، فهو صامت، قد يحرمها من حقها الشرعي.
وحملت البروفسور غنية ضيف، الاستعمار الفرنسي توريث لبعض الجزائريين، عقلية” ليزانديجان”، مما يتطلب إعادة النظر في صناعة الرجل الجزائري، للتخلص من ارث ثقافي استعماري، الذي زرع الشعور بالدونية، وبقهر الآخر.
وأكدت أن هناك عنف موجود كما في فترات قديمة جدا تعود إلى قرون قديمة، فمثلا تحدث أحد الكتاب في أحد مؤلفاته التاريخية، عن التعنيف الاقتصادي ضد المرأة في قسنطينة خلال القرن السادس عشر، حيث ركز على العنف الجنسي ضد المرأة طبق في إطار أخلاقي اجتماعي، وهو بعد رمزي وسلطة اجتماعية.

غياب آليات استقبال وإيواء المعنفات
ومن جهتها، نفت الحقوقية، فافا بن زروقي، أن تكون المرأة في الجزائر تعاني من التمييز والإقصاء، مثلما كانت تعاني بعض النساء في دول أوروبية تتغنى بالحرية والمساواة، موضحة أن في فرنسا الوزيرة لا تتقاضى نفس أجرة الوزير، لكن في الجزائر يتساوى الجنسين في الأجرة.
وكما أن المرأة في فرنسا، بحسبها، عندما تطالب بالطلاق بعد تعرضها للعنف من طرف الزوج، فيلبى لها رغبتها دون أن يعاقب على جريمته، مؤكدة أن المشرع الجزائري ادخل قانونا صارما في محاربة العنف ضد المرأة، سواء في العمل أم في الشارع أم في المنزل، وحدد عقوبات مختلفة لذلك.
وأوضحت بن زروقي أن الإشكال لا يتعلق بالقوانين، ولكن ببعض جوانب التطبيق والحماية للمرأة والفتاة، مشيرة إلى أن استقبال النساء المعنفات وتقديم لهن الدعم النفسي والمعنوي، يحتاج إلى آليات التكفل المضمون من طرف الدولة.
وقالت إن المشرع الجزائري تفطن إلى كيفية الحفاظ على الأسرة من خلال منح المرأة المعنفة التنازل عن الشكوى سواء أكانت ضد الزوج أو الأخ أو الابن، أو الأب، مضيفة” صعب على المرأة أن تشتكي للقاضي أو للأمن، لكن ينبغي أن يكون هناك وعي بأن تقف المرأة أمام القاضي الجزائي، ثم يكون لها الاختيار في الصفح، إن مجرد الشكوى حتى لو لم يكن هناك عقاب هو مساهمة في الحد من العنف ضد المرأة”.
وأضافت المتحدثة أن الدستور الأول للجزائر صادق على حقوق الإنسان، لكن للأسف بحسبها، تتصادف ذكرى اليوم العالمي لهذه الحقوق هذه السنة، مع انتهاكات صارخة للكيان الإسرائيلي، فالنساء والأطفال الجزائريين عاشوا خلال الفترة الاستعمارية نفس الانتهاكات، لكن علينا، تضيف، أن ندرك أن ما يحدث في غزة من عنف يجري أمام مرأى العالم، مما قد يجعل من مشروع حقوق الإنسان مجرد حبر على ورق بعد أن أصبح الرأي العام العالمي في صف القضية الفلسطينية.
للإشارة، فإن هذا التأكيد على إيجاد حلول للمرأة المعنفة واحتواء المشاكل الأسرية جاء خلال جلسة حوارية من تنظيم مكتب الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات بالعاصمة، احتفالا باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحمل شعار” الإجابة المجتمعية لظاهرة العنف ضد المرأة في الجزائر”، وذلك بالمركز الثقافي أحمد عياد “رويشد” بالأبيار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!