الرأي

ارحموا الفقراء في شهر الرّحمة

سلطان بركاني
  • 3641
  • 0
ح. م

الفقر بلاء من أشدّ وأصعب أنواع البلايا؛ كان نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام يتعوّذ من تبِعاته فيقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ”، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول عنه: “لو كان الفقر رجلا لقاتلته”، يقول هذا في زمن لم تكن فيه المظاهر هي المعيار الذي يُحكم من خلاله على الناس، وفي زمن يقتسم فيه الرجل التّمرة مع أخيه، فكيف نقول نحن في هذا الزمان الذي أضحت فيه المظاهر هي المعيارَ الأهمّ وربّما الأوحد في الحكم على الناس، وأصبحت المباهاة ليس بالعلم ولا بالمواقف وإنما بالمظاهر، بالألبسة التي تلبس وبالأطعمة التي تؤكل وبأنواع السيارات التي تركن أمام أبواب البيوت، وهكذا…

لقد أصبح الفقير في زماننا هذا يموت في جلده وهو يطوف الشّوارع والأسواق ويرى الناس يرفلون في ألوان وأنواع من الألبسة لا يراها حتى في الأحلام، ويحملون إلى بيوتهم كلّ يوم من المآكل والمطاعم والمشارب ما تكاد ألوانه تذهب بالأبصار، ثم يعود إلى البيت ليستقبله أبناؤه بوابل من المطالب التي لا يستطيع تلبيتها، فلا يملك إلا أن يتصبّب عرقا ويتقطّع حسرة وألما، وفي نفسه شيء من لكن تجاه هذا المجتمع الذي لا يرحم.

وتزداد محنة الفقراء أكثر عندما يجدون أنفسهم وسط مجتمع يزيد الطّين بلّة؛ فيعمّم الحكم عليهم بأنّهم جميعا يكذبون ويتظاهرون بالفقر!، ويسيء بهم الظنّ، ويراهم عبئا ثقيلا عليه!.

يُروى أنّ رجلا فقيرا كانت زوجته تصنع الزّبدة على شكل كرات، وزنُ كلّ واحدة منها كيلوغرام، وهو يتولى بيعها في المدينة لأحد البقالين، ويشتري بثمنها حاجات البيت، وفي يوم من الأيام شكّ صاحب المحلّ في الوزن، فقام بوزن كلّ كرة من كرات الزّبدة فوجدها 900 غرام، فغضب من الفقير، وعندما حضر إليه من الغد، قابله بغلظة قائلا: لن أشتري منك؛ لأنك تبيعني الزبدة على أنها كيلو، ولكنّها أقلّ من ذلك بمائة غرام!. حينها حزن الفقير ونكّس رأسه وقال: نحن يا سيدي لا نملك مثاقيل (جمع مثقال) نزن بها، ولكنّي اشتريت منك كيلو من السكر وجعلته لي مثقالاً أزن به الزبدة!.

نعم.. هناك من يتظاهر بالفقر ويخادع النّاس، ولكنْ لا يجوز أبدا أن نظلم الفقراء الحقيقيين بسبب هؤلاء المخادعين، وننظر إلى الفقراء جميعا بعين الريبة، ويجد لنا الشّيطان الأعذار للتخلّي عن مساعدتهم.

ما من قرية من القرى، وما من مدينة من المدن، إلا وبين سكّانها أسر فقيرة، تعيش صراعا مريرا مع الفقر والحاجة، أسر لا تستطيع دفع مستحقات الكهرباء والغاز والماء، ولا توفير ضروريات الحياة إلا مع مشقّة وعناء؛ أسر لا تعرف عن كثير من الأطعمة إلا ألوانها في الأسواق، وروائحها عندما تطبخ في بيوت الجيران.. ينبغي ألا ننسى هذه الأسر ونحن نعيش أيام وليالي شهر الرّحمة، ونجلس أمام موائد تتلألأ بألوان وأنواع من الأطعمة، لا نأكل منها إلا بضع لقيمات، ليكون مصير الباقي منها مرمى النفايات.. لِنتّق الله في هذه الأسر، ولْنضع نصب أعيننا حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به).

مقالات ذات صلة