الرأي

استحقاقات إدارة الدولة بموارد محدودة

حبيب راشدين
  • 1189
  • 4
ح.م

أهم قرار اتخذته الحكومة لمواجهة التداعيات المتضامنة لجائحة كوفيد 19 وانهيار أسعار النفط كان بلا شك مراجعة السعر المرجعي عند سقف 30 دولارا حتى مع بداية انتعاش السوق النفطية، وارتفاع سعر “برينت” فوق الأربعين دولار، قرار يحتاج بالضرورة إلى إعادة تشكيل الحكومة بتعديل سريع يقلص من عدد الحقائب، ويوجه موارد الدولة نحو القطاعات الإنتاجية والخدمية، مع حل الحكومة لمعادلة مصادر تمويل النشاط الحكومي إما بالتمويل غير التقليدي أو بتخفيض سعر الدينار.

فقرار خفض سقف السعر المرجعي سوف تكون له، بلا شك، آثار سلبية على مواصلة تمويل كثير من المشاريع المبرمجة التي أعادت الحكومة ترتيب أولوياتها، وعلى مستوى الإنفاق الحكومي، وربما حتى على مستوى التحويلات الاجتماعية التي تتجاوز ربع الميزانية، وأخيرا تأثيره على قدرة البلاد في مواصلة تموين الآلة الاقتصادية والسوق الاستهلاكية.

آثار القرار على المواطن تستشرف حتما على مستويين: مستوى توفر المواد الاستهلاكية المستوردة وحمايتها من التضخم والمضاربة، ومستوى استجابة الاقتصاد الوطني للوافدين الجدد على سوق العمل، مع تراجع الاستثمار الحكومي، وتدهور أوضاع المؤسسات الخاصة، وانكماش ملموس في أنشطة الاقتصاد الموازي الذي تضرر كثيرا بالإغلاق.

 وإلى أن تستقر أسعار، النفط التي تشكل حتى الآن أكثر من 95 في المائة من مداخل البلد من العملة الصعبة، فإن الحكومة سوف تكون ملزمة بحل معادلة من أكثر مجهول لملف تمويل نشاط الدولة والاقتصاد، مع رفض الرئيس اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وتسفيه الخبراء ـ غير المبرر ـ للتمويل الغير تقليدي الذي أفسدته العصابة بتحويله عن مساره الطبيعي.

ومع كل ما اتخذته الحكومة من إجراءات تقشفية في ميزانية خفض سقفها المرجعي بأكثر من 40 في المائة، وتسجيل انتعاش لأسعار النفط قد لا يصمد حتى نهاية السنة، فإن مواصلة تمويل الاقتصاد الوطني بالقدر الذي يسمح بتوفير مزيد من مناصب الشغل، يحتاج إلى تقبل مبدأ التمويل الغير تقليدي الذي لجأت إليه أغلب الدول منذ بداية السنة بضخ أرقام فلكية من العملة المطبوعة.

ويبقى أمام الحكومة خيار ثالث، بتخفيض قيمة الدينار بخمس قيمته، قرار سمح لبلدان مثل إيران المحاصرة وفنزويلا وتركيا وروسيا بتحمل وامتصاص تبعات تراجع أسعار النفط منذ 2014 ثم انهيارها هذه السنة، مع اتخاذ تدابير صارمة لضبط منسوب التضخم، وإقناع المواطنين بتحمل تراجع القدرة الشرائية في بلد مازال يعتمد على الاستيراد.

وفي كل الأحوال فإن جميع هذه الخيارات تحتاج إلى بناء إجماع وطني مرتهن حتى الآن بمعالجة الرئيس لملفات إعادة بناء مؤسسات الدولة، ومقدار التوافق على التعديلات الدستورية القادمة، وإعادة إحياء المشهد السياسي والجمعوي بالقدر الذي يضمن مستوى مقبول من الاستقرار السياسي الضروري لقدرة البلد على التعامل مع فترة انتقالية حرجة على جميع الأصعدة: الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، في محيط دولي غير مستقر، وجوار جغرافي ملغم بألف لغم.

وفي انتظار خطوات الرئيس الأولى لبناء هذا الإجماع الوطني، فإنه يحتاج إلى مراجعة سريعة لبنية الحكومة، التي تشهد كثيرا من الاختلال البنيوي، وضعف أداء بعض الوزراء أو غيابهم عن الساحة، وذلك ببرمجة تعديل وزاري سريع يقلص من عدد الحقائب، يساعد الحكومة على توجيه موارد الدولة المالية والبشرية الشحيحة للقطاعات الإنتاجية والخدمية، وإعادة توجيه بوصلة هذه القطاعات نحو التكفل السريع بتبعات تراجع موارد الدولة والحاجة إلى إعادة تنشيط الاقتصاد الوطني بموارد مالية محدودة.

مقالات ذات صلة