الرأي

استعبادٌ “قانونيٌّ” للعمال الجزائريين!

حسين لقرع
  • 10165
  • 5

لا تزال النقابات المستقلة، وفي مقدّمتها نقاباتُ التربية، تطالب الحكومة بإلغاء قانون التقاعد الحالي والعودة إلى القانون السابق الذي يكفل للعامل الاستفادة من التقاعد المسبق إذا اشتغل 32 سنة كاملة، بغضّ النظر عن سنّه، وكذا التقاعد النسبي للعامل الذي اشتغل 20 سنة وبلغ الخمسين من عمره، وللمرأة العاملة التي اشتغلت 15 سنة وبلغت سنّ الـ45.
منطقيا، ينبغي أن تتحلى النقابات المستقلة بالمرونة وتنسى أمر التقاعد النسبي؛ إذ إن عاملا اشتغل 20 سنة فقط، لا يزال قادرا على العطاء وإفادة مؤسسته وبلده بخبرته المهنية، ولم يشتغل طويلا حتى يستنزف ويطالِب بالخروج إلى التقاعد، والأمر نفسه ينطبق على العاملة التي اشتغلت 15 سنة فقط.
وبالمقابل، فإن النقابات على حق حينما تطالب بضرورة العودة إلى التقاعد المسبق من دون اشتراط السنّ لكل عامل اشتغل 32 سنة كاملة، فهو مكسبٌ ثمين لملايين العمال والموظفين ينبغي ألا تحرمهم الحكومة منه بهذه السهولة، لأن العامل الذي قضى 32 سنة كاملة في العمل لا شكّ في أنه قد استنزِفَ تماماً وبدأت الأمراض المزمنة المعروفة في الجزائر كالسكري والقلب والضغط الدموي… تنخر صحّته، ولم يعُد قادرا على إفادة البلاد بجهده، والمفترض أن يستفيد من حقه في التقاعد، ليتفرّغ للراحة بقيّة عمره، وهذا حقه، وإرغامُه على مواصلة العمل بذريعة أنه لم يبلغ الستين من العمر، استغلالٌ بشع لعرقه ونوع من القهر والإذلال.
كثير من العمال الجزائريين بدؤوا العمل في سنّ مبكرة من حياتهم.. بعضُهم بدأ العمل في سنّ العشرين أو حتى التاسعة عشرة، والمفترض أن يستفيد من التقاعد حينما يشتغل 32 سنة كاملة بغضّ النظر عن سنّه، لكن القانون الجديد الذي فرضته الحكومة منذ نحو سنتين، ومرّره نواب الموالاة، يسقط هذا المكسب الثمين للعمال الذين اشتغلوا طويلا ويشترط عليهم بلوغ سنّ الستين للاستفادة من حقهم في التقاعد، وبذلك يجبر العامل الذي بدأ العمل في سنّ العشرين على العمل 40 سنة كاملة ليستفيد من التقاعد بدل أن يعمل 32 سنة فقط؛ أي إن هذا القانون المجحف يجبر العامل على العمل 8 سنوات إضافية ليحصل على حقه. أليس هذا ظلما وقهرا واستغلالا بشعا لعرق العمال؟!
ويزداد الظلم والإجحاف أكثر حينما يساوي القانونُ الجديد بين العامل الذي اشتغل 32 سنة وبلغ الستين من عمره، ونظيره الذي اشتغل 40 سنة وبلغ الستين، فيمنح الاثنين نسبة 80 بالمائة من التقاعد، في حين إن المنطق والعدل يقولان إن من أجبِر على العمل 40 سنة كاملة ينبغي أن يُمنَح على الأقلّ نسبة 100 بالمئة تعويضا له على سنوات العمل الثمانية الإضافية، لا أن يُستغلّ بلا تعويض.
لقد أضرَّ قانونُ التقاعد الجديد بفئاتٍ كثيرة من العمال أيَّما إضرار، وقنَّن لاستعبادها وقهرها، والمطلوب تعديله للحفاظ على كرامة العامل وإنسانيته، وإعادة العمل بالتقاعد المسبق من دون اشتراط السنّ، والاكتفاء بإلغاء التقاعد النسبي فقط. هذا هو العدل.

مقالات ذات صلة