-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
سعيد خطيبي يوقع روايته بمعرض الكتاب ويكشف:

استغرقت عامين في كتابة “نهاية الصحراء” وروايتي القادمة عن انقلابات ثورة التحرير

زهية منصر
  • 616
  • 0
استغرقت عامين في كتابة “نهاية الصحراء” وروايتي القادمة عن انقلابات ثورة التحرير
ح.م

وقع سعيد خطيبي روايته الأخيرة “نهاية الصحراء” بمعرض الجزائر بعد أن أعلن مقاطعته لمعرض فرانكفورت الذي انحاز إلى إسرائيل، وهي الرواية الفائزة مؤخرا بجائزة الشيخ زايد للكتاب. تعالج رواية خطيبي خلفيات أحداث أكتوبر 1988، حيث يتطرق الكاتب إلى مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر ويؤكد خلال هذا الحديث انه ليس مؤرخا، لكنه روائي يتكئ على التاريخ في كتابة أعماله، مؤكدا في السياق ذاته انه بصدد الاشتغال على مشروع جديد يتطرق إلى الانزلاقات والتصفيات وخلافات ثورة التحرير.

تستحضر رواية نهاية الصحراء فترة مفصلية من تاريخ الجزائر 1988ّ، لكنك لا توغل في تفاصيلها، بل تكتفي بها كخلفية، هل هو خيار إبداعي أم رغبة في الهروب من مأزق عاشه جيلك؟
فعلاً رواية “نهاية الصحراء” تتخذّ من أحداث 5 أكتوبر 1988 خلفية لها. ولكن ليس من باب استعادة ما نعرفه. فالجميع يعلم ما حصل من مشاهد مأساوية. إنّما انطلقت من سؤال آخر: كيف وصلنا إلى تلك اللحظة؟ بعد عقدين من الاستقلال، بينما النّاس يحلمون بتشييد بلد ويطوفون في أحلام اليقظة، فجأة وقعت المصيبة. نستيقظ صباحاً، فماذا نرى؟ جزائريون يقتلون جزائريين في الشّارع. ضحايا بالمئات، “نهاية الصحراء”، الحائزة على جائزة الشّيخ زايد للكتاب 2023، هي رواية وليست كتاب تاريخ. لكن كان لا بدّ من الاستعانة بالتّاريخ قصد فهم ما حصل. فأحداثها تعود إلى حقبة حرب التّحرير في محاولة البحث عن جذور الصّراع. 5 أكتوبر 1988 ليس حدثاً طارئاً، بل هو نتاج تراكمات. إن محاولات حصر 5 أكتوبر 1988 في قراءات سياسية محضة يؤكّد، مرّة أخرى، أننا لا ننظر إلى التّاريخ سوى بعين واحدة.

تصل الرواية أخيرا للجزائر بعد أن طافت عدة معارض، لماذا هذا التأخر؟
أنا أيضاً بالكاد أفهم ماذا يحصل في مجال الكتاب عندنا. تعلمين أن النّشر في الجزائر متعثّر، دور النّشر تصدر كتباً مهمة، لكن يصعب عليها إيصالها إلى قارئ غير جزائري. لماذا نصدر كتباً مادام لا يقرأها الآخرون؟ أليست أهمية الكتاب في خلق تحاور مع الآخر؟ مع المختلف عنّا؟ لذلك يضطر كتّاب كثر إلى النّشر في الخارج. وهنا مشقّة أخرى. لأن الكتب لا تصل إلى الدّاخل سوى بصعوبة. مسألة استيراد الكتب في حاجة إلى إعادة نظر. لا يجب أن نتعامل مع الكتب مثل من يستورد عجّلات مطاطية أو مفرقعات. هنالك سلسلة طويلة من البيروقراطية. والخاسر إنّما القارئ في الجزائر. لست أتحدّث عن روايتي فحسب، بل الكثير من الكتب المهمة التي تصدر في الخارج لا تصل إلى الدّاخل، على الرّغم من أنّها كتب تهم القارئ في الجزائر بالدّرجة الأولى. الأمر في حاجة إلى إعادة نظر.

هل تعتبر طابع الرواية البوليسية الذي اتكأ عليه نصك مناسب فعلا لرواية هذا النوع من الأحداث التي تتخذ من التاريخ خلفية؟
الرّواية البوليسية تطوّرت، بشكل مذهل، في العقود الأخيرة. بالأحرى يمكن أن نتحدّث عن أدب الجريمة. هو الخيار الأمثل قصد تشريح مجتمع. قصد تأسيس نقد اجتماعي. لكن هذا النّوع من الأدب ليس سهلاً. لاسيما في المحيط العربي. أدب الجريمة بحاجة إلى فضاء أرحب من الحريّات، وهو أمر ليس متاحاً في الغالب. دائماً نتساءل لماذا نجح أدب الجريمة في الغرب وفشل في العالم العربي؟ الإجابة ببساطة، لأن أدب الجريمة هو المعادل الموضوعي للحرية، للدّيمقراطية. لا يمكن أن ينجح سوى في محيط يتمتع بحرية في التّفكير ويتقبّل النّقد. في الجزائر أدب الجريمة غير قادر على أن يقف على رجليه. وظلّ محصوراً في كتابة كلاسيكية، غير قادرة على متابعة التّطورات التي حصلت. لا يمكن أن نرجو أدباً كبيراً إلا في فضاء يتيح للكاتب حرية كبيرة.

تنطلق جل أعمالك من خلفية ثقافية في معالجة الأحداث، هل تعتقد أن الموروث الثقافي الجزائري ظلم في الاستغلال الروائي؟
أظن أننا لا نزال مجتمعا شفهياً، مجتمعاً يخاف من الكتابة. بالعودة – مثلاً – إلى أحداث 5 أكتوبر 1988، رغم انقضاء 35 سنة، لن نعثر على كتب جادّة عن هذه الواقعة. لم يحصل أن انتظم مؤتمر علمي عنها. لماذا؟ لأننا نخشى مواجهة ماضينا. نخجل من ماضينا. لم تكن كتابة “نهاية الصحراء” أمراً سهلاً، بل تطلّبت مني بحثاً وتوثيقاً أخذ مني جهد عام من البحث والتّقليب. وهناك الكثير من الوقائع المهمّة التي مرّت من غير أن نكتب عنها. كم من كتاب صدر عن انقلاب 1965؟ كم من كتاب صدر عن الرّبيع البربري 1980؟ عدد قليل للغاية مقارنة بحجم الحدثين. العشرية السّوداء كذلك تحتاج إلى العشرات من الأعمال الأخرى.
ومن الأفلام كذلك. لكننا نعيش ضمن نظرة قاصرة إزاء التّاريخ. كلّ كاتب ينشر عملا عن تلك العشرية الدّامية يقال عنه “أدب استعجالي”. كلمة طارئة أطلقها كتّاب لم يكن لهم موقف من المأساة التي عاشها شعبهم. كتّاب رفضوا المقاومة مع شعبهم فصاروا ينعتون كلّ كاتب يكتب عن العشرية السّوداء بأسوأ النعوت. في فرنسا لا يزالون يكتبون عن الحرب العالمية الثانية، في لبنان عن الحرب الأهلية (التي سبقت العشرية السّوداء)، مع ذلك لا أحد ينعتهم بالأدب الاستعجالي. نحن نعيش عقدة من التّاريخ، سوء فهم له.

بحكم احتكاكك بتجارب عربية وأجنبية، أين يمكن تصنيف الحضور الإبداعي الجزائري؟
الحضور الأدبي الجزائري، في الخارج، لا يزال خجولاً للغاية. كما أسلفت أقول، بحكم أن الكتاب المطبوع في الدّاخل لا يستطيع الخروج خلف الحدود، فلا يجب أن نفرط في التّفاؤل. هناك عامل آخر يؤثر سلباً على العملية الإبداعية، وهو الرّقابة الذّاتية. تقلّص الحرية أدى إلى اتّساع الرّقابة الذّاتية. إن الدّفاع عن أدب جزائري يبدأ من الدّفاع عن حقّ الكاتب في الحرية، حرية التّفكير وحرية النّقد كذلك.

وماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
حاليا أنا بصدد الاشتغال على عمل روائي جديد يعالج الانقلابات التي حدثت خلال حرب التحرير، لأن ما كتب عن الثورة لم يفها حقها من جميع الجوانب، قبل سنتين تم تحرير الأرشيف المتعلق بالثورة في فرنسا وصار بإمكاننا الاعتماد والاستفادة منه في العمل الروائي وسأعتمد على الوثائق في كتابة عمل روائي يعالج هذا الانزلاق الذي حدثت خلال حرب التحرير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!