الرأي

اقتصاد نفخ العجلات

مازال الاختلاف قائما على السبب الرئيس للأزمة في الجزائر، بين من يراها بالكامل اقتصادية، ومن يربطها بالسياسة، والاختلاف في هذا الأمر ليس خيرا، وإنما تضييعٌ لمزيد من الوقت، لأن القضية تشبه تعطيل تشخيص رجل مريض في حاجة إلى الدواء أو الجراحة إن استلزم الأمر. مع مرور الأيام منذ تنحية الرئيس السابق، اتضح أن الجزائر مطالبة بثورة اقتصادية كبيرة حتى تُدخل المواطنين في العمل وجني الثمار وتبعدهم عن ثقافة الانتظار، التي حوّلت حياتهم إلى شبه طابور طويل لمعوقين غير قادرين على فعل أي شيء، ينتظرون فيه ما يأتيهم من الدولة من سكن وعمل وخدمات متنوعة. من غير المعقول أن يعجز شباب الجزائر أن يشقوا لأنفسهم دروب العمل، فتربطهم السلطة بمختلف البرامج التي ما أفادت السلطة وما أفادت الشباب، وضيعت على البلاد فرصا كثيرة كانت فيها الجزائر مكتنزة بالقناطير من الذهب والفضة.

تتجه الجزائر حاليا إلى انتخابات تشريعية ومحلية، وهو أمرٌ عادي، ولكن يجب ألا تُنسينا الأزمة الاقتصادية المتشعبة التي تزداد ضراوتها كلما تضاءل احتياطي الصرف من العملة الصعبة، أو انهار سعر النفط، أو تقلص البترول الموجود في ضرع حاسي مسعود، فالمواطن الذي علموه منذ عقود، الوقوف في طابور انتظار بعض الحلول التي تأتي من ريع النفط، سواء كانت سكنا أم عملا، لن يستطيع ترك هذه العادة، إلا إذا أشركوه في ثورة كبيرة يدرك فيها أن ما يحرثه اليوم ويسهر عليه، سيحصده، قصُر الأمد أم طال بعيدا عن الأبوَّة المفروضة على المواطن من طرف الدولة التي لم تعط أيَّ نتيجة ما عدا الخيبات.

في لقائه الأخير بالصحافة، تحدَّث الرئيس، عبد المجيد تبون، عن نافخي العجلات الذين استهزؤوا بالبلاد وانتحلوا صفات ليست لهم مثل رجال أعمال ومستثمرين وصناعيين، وأخذوا ملايير الدولارات من دون أن يركب الجزائري سيارة مريحة ومطمئنة بمجراها ومرساها، والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بالسيارات فقط، وإنما بمختلف القطاعات، ليصحو المواطن على واقع مؤلم، وهو كونه لا يسمع ولا يرى ولا يلمس ولا يشم ولا يأكل ويلبس ويركب إلا ما يأتيه من هناك، في بلد هو العاشر من حيث المساحة في العالم ويعيش فيه أكثر من أربعة وأربعين مليون نسمة في أرض لا يكاد يخلو شبرٌ واحد منها، من مواد أوَّلية صنعت رفاهية وازدهار دول صارت عظيمة بنصف ما تمتلكه الجزائر من خيرات.

سيكون من الكذب على النفس انتظار التغيير الحاسم من الانتخابات التشريعية والمحلية من دون مشروع أمَّة كبير يهزُّ البلاد وينقلها إلى الاعتماد على النفس، فلم يحدث في تاريخ الدول أن جاءت الثورة من مقاعد البرلمانيين والنواب، وما حققته فرنسا وبريطانيا واليابان وبعدها الصين من ازدهار، إنما جاء من ثورات صناعية وفلاحية كبيرة بنت اقتصادا قاد بلدانا إلى القمَّة ومنح الشعوب الأمان والطمأنينة.

مقالات ذات صلة