الرأي

الأرسيدي ومعركة “المساواة” في الإرث!

حسين لقرع
  • 1541
  • 61
ح.م
محسن بلعباس رئيس حزب الأرسيدي

ليس غريبا أن يدافع حزبُ “التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية” عما أسماه “المساواة بين الجنسين في الإرث”؛ فالمعروف أن “الأرسيدي” يحمل لواء العلمانية منذ تأسيسه في 9 فيفري 1989 إلى الآن، ويدافع عن “الحداثة” و”التنوير” و”حرية المرأة” بشراسة، وهناك جمعياتٌ نسوية مقرّبة منه تشنّ منذ التسعينيات حربا قذرة على قانون الأسرة المستمدّ من أحكام الشريعة، لذلك ليس مستغرَبا أن يدعو رئيس هذا الحزب العلماني الآن إلى الاقتداء بتونس ووضع قانون يقسِّم الإرث بين الجنسين مناصفة.

لكن اللافت للانتباه أن “الأرسيدي” ندّد بكل من اعترض على دعوته المخالِفة لأحكام الشريعة الإسلامية، واتَّهمهم بأنهم يريدون “تحويل أنظار الجزائريين عن مناقشة المسائل المرتبطة بحياتهم اليومية”، وهذا الاتهام يذكّرنا بالمثل العربي الشهير “رمتني بدائها وانسلّت”؛ فمن هو الطرف الذي يفتعل معارك وهمية ليُشغِل بها الجزائريين عن قضاياهم اليومية: “الأرسيدي” الذي أثار مسألة الميراث في هذا الوقت، وبلا طائل؟ أم الذين طالبوا بعدم إثارة المسألة للنقاش أصلا احتراماً لدين الأمة الذي فصل فيها؟

لو كان رئيس “الأرسيدي” يعقل لما لجأ إلى إثارة هذه المسألة أصلا وهو يعلم أن الله تعالى قد حسم فيها من فوق سبع سماوات منذ 14 قرنا بآياتٍ فصّلت كيفية توزيع الإرث بين الورثة جميعا تفصيلا دقيقا لم يترك أيّ مجالٍ للاجتهاد البشري، وهي آياتٌ قطعية الدلالة والثبوت لا تحتمل أيّ تأويل، وقد أجمع عليها فقهاءُ الأمة قديما وحديثا وصيغت قوانين الدول الإسلامية على أساسها، لكن علمانيي الجزائر وتونس وغيرهما يريدون الآن تجاوزَ الدين وتبديل أحكام الإرث وإثارة فتنٍ كبيرة داخل مجتمعاتهم، وحينما يجدون من يتصدّى لهم ويطالبهم باحترام أحكام دينهم تثور ثائرتُهم ويتّهمونهم بـ”إشغال المواطنين عن قضاياهم اليومية” وهم أحقّ بهذه التهمة بطرح قضيّةٍ محسوم فيها للنقاش والجدال، وكأنَّ أحكام الله قابلة للجدال والنقاش حتى نأخذ منها ما نريد ونترك منها ما لا يوافق هوانا وهوى الغرب ومجتمعات الإباحية وعملِ قوم لوط…

ندعو “الأرسيدي” إلى ترك مسائل العقيدة والشريعة جانبا وعدم التطاول عليها أو إثارة معارك وهمية بشأنها، ولنسعَ جميعا كجزائريين إلى إيجاد حلول لمشكلات البلد والهموم اليومية للمواطنين؛ فحينما تمرّ 56 سنة كاملة على الاستقلال ونعجز عن إقامة اقتصادٍ منتِج تنافسي يُبعد عن البلاد شبح الإفلاس إذا انهارت أسعارُ النفط، وتغرق مدنُنا بعد 10 دقائق فقط من هطول الأمطار بفعل الغشّ في الإنجاز، وتتفاقم مشكلات الفساد والبيروقراطية و”الحقرة” والبطالة والسكن، وينهار الدينار ومعه القدرةُ الشرائية للجزائريين وتتّسع دائرة الفقر والخصاصة، وتظلم الآفاقُ في وجه أبنائنا حتى يرمي بعضُهم نفسه في البحر أو يصطفّ أمام السفارات الأجنبية في طوابير مُهينة بحثا عن الهروب من البلد، وتكثر الاحتجاجات وطرق الطرقات بسبب مشكلات معيشية يومية لم تُحلّ منذ مدة طويلة كماء الشرب والصرف الصحي والغاز وحالة الطرقات… فإن السؤال الذي ينبغي أن يُطرح في هذا المقام هو: ألا تستحقّ مثل هذه المسائل، وغيرُها كثيرٌ بالتأكيد، اهتمام “الأرسيدي” وغيرِه من الأحزاب والنخب المثقفة بدل الانشغال بطعن دين الجزائريين والتطاول على أحكامه القطعية؟!

مقالات ذات صلة