الرأي

الأمازيغية والنقاش حول شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

محمد بوالروايح
  • 7910
  • 31

أثار ترسيم رأس السنة الأمازيغية “يناير” عطلة وطنية، وقبلها ترسيم اللغة الأمازيغية نقاشا كبيرا داخل قواعد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حول الشعار التاريخي للجمعية في جزئه المتعلق باللغة العربية، النقاش الذي لا يعني إطلاقا الاعتراض على ترسيم اللغة الأمازيغية لأن الجمعية ليست بِدعا من المجتمع الجزائري الذي يقر برمته بأن الأمازيغية جزءٌ من الهوية الوطنية، فالدستور الجزائري الذي هو الوثيقة المرجعية الأولى للدولة الجزائرية قد نصّ في مادته الرابعة على أن “تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوُّعاتها اللسانية المستعمَلة عبر التراب الوطني”، وعلى أنه “يُحدث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية، يستند إلى أشغال الخبراء ويكلّف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسمية فيما بعد”.

إن النقاش داخل قواعد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يهدف في جانب منه، حسب رأيي، إلى البحث عن صيغة للتوفيق بين العربية والأمازيغية، ووضع خطة استباقية واحترازية لتجنب أي استغلال للغة الأمازيغية بغرض الزج بالجمعية في جدل لغوي قد يفضي لا قدر الله إلى صراع هوياتي هي في غنى عنه، علاوة على أنه يجافي خطها الإسلامي والوطني في التمسك بالوحدة الوطنية ونبذ الفرقة.

وتأكيدا لهذا الخط، قال الأستاذ عبد الرزاق قسوم في الدورة الخامسة للمجلس الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين: “إنّ الأمازيغية هي مكوِّن أساسي من مكوّنات الهوية، ويجب أن تكون ضمن الاهتمامات الرئيسة لجمعية العلماء في الولايات للتكفل بترقيتها وحمايتها، إن العناية بالأمازيعية يمرُّ عبر القطيعة مع الأكاديميات الأجنبية التي دخلت منذ سنوات على الخط لتقسيم الشعب الجزائري”، وخلص الأستاذ قسوم إلى ضرورة كتابة الأمازيغية بالحرف العربي لتكون أكثر انسجاما مع هوية الشعب الجزائري، مؤكدا أن الكثير من العلماء الأمازيغ كان لهم فضلٌ في تطوير اللغة العربية وأن هناك الكثير من المخطوطات الأمازيغية في العقيدة والفقه مكتوبة بأحرف عربية.

خلص الأستاذ قسوم إلى ضرورة كتابة الأمازيغية بالحرف العربي لتكون أكثر انسجاما مع هوية الشعب الجزائري، مؤكدا أن الكثير من العلماء الأمازيغ كان لهم فضلٌ في تطوير اللغة العربية وأن هناك الكثير من المخطوطات الأمازيغية في العقيدة والفقه مكتوبة بأحرف عربية. 

لا أدري ماذا يعني الأستاذ قسُّوم بالأكاديميات الأجنبية التي دأبت منذ سنوات -كما قال- على تقسيم الشعب الجزائري، ولكن معرفتي بالمنهج التاريخي الفلسفي للرجل يجعلني أرجِّح فرضية أنه يعني بالأكاديميات الأجنبية، تلك المشاريع الاستعمارية التي وضعتها الإدارة الفرنسية لتجسيد سياسة “فرِّق تسد” باستغلال المسألة اللغوية، أو بالأحرى التعددية اللغوية من أجل إحداث القطيعة الثقافية والحضارية بين مكونات الشعب الجزائري العربية والأمازيغية. 

ما يستوقفني في كلام الأستاذ قسوم هو اقتراحه كتابة اللغة الأمازيغية بالحرف العربي الذي يعني إيجاد لغة توافقية يجتمع فيه الخط العربي بالشكل الأمازيغي أو يعني بعبارة أخرى إيجاد أمازيغية عربية، وهي فكرة قال بها بعض علماء الأنثروبولوجيا اللغوية بناء على وجود كلمات أمازيغية من أصول عربية، والتي دفعت الباحث الجزائري “عثمان سعدي” إلى القول بأن الأمازيغية أصولها عربية، وهو ما ينفيه بعض علماء الأنثروبولوجيا اللغوية بقولهم إن الأمازيغية سابقة في الظهور على العربية وأنها كانت لغة شعوب شمال إفريقيا لفترة طويلة قبل أن تختلط بها الشعوب العربية التي جاءت مع الفتح الإسلامي للشمال الإفريقي.

لا أجدني متحمِّسا لفكرة الأمازيغية العربية، لأن هذه الفكرة تحتاج إلى دراسة فيلولوجية عميقة، كما تحتاج إلى موافقة أهل اللغة أنفسهم الذين قد يرفض كلهم أو جلهم أو بعضُهم هذه الفكرة لكونها تدجينا أو تحريفا لأصول لغتهم، وبالنظر إلى تلك المخاوف المتوقعة، فإن الأولى الإعراض عن الفكرة وترك البتِّ فيها للأطراف التي تمثلها، وما يشجع على ذلك هو أن بعض المتحمسين للتركية العثمانية في العصر الحاضر حاولوا إعادة اللغة التركية إلى شكلها العربي قبل ثورة “كمال أتاتورك” التي كرست الشكل اللاتيني لهذه اللغة، فواجهتهم عوائق كثيرة، وفي مقدمتها التخوف من أن تكون هذه الفكرة بابا لصدام مجتمعي في تركيا المعروفة بتنوُّعها الثقافي.

أرى أن مناقشة شعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سابقٌ لأوانه لأسباب أذكر منها أن الدستور الجزائري صريح في اعتبار اللغة العربية اللغة الوطنية والرسمية، وأنها تظل اللغة الرسمية للدولة، وفي اعتبار الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، وفي صيغة التعريف والتنكير ما يحتم علينا تأجيل مناقشة الشعار؛ فالإدارة الجزائرية تعتبر اللغة العربية لغة التعاملات والمراسلات الإدارية، وتسعى إلى تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس والجامعات الجزائرية، ولهذا السبب ينبغي أن ننتظر مبادرة الدولة لإجراء نقاش وطني حول هذه المسألة، وألا نبادر بصفة فردية وجمعوية إلى اتخاذ أي إجراء لا يؤسَّس على الإجماع الوطني، فشعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ملكٌ للجمعية، والجمعية في النهاية ملك للمجتمع والدولة.

لا ندري لعل النقاش الوطني الذي أتحدث عنه قد يسفر على قبول المكون الأمازيغي بشعار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين “العربية لغتنا” وخاصة أن هذا الشعار لم يكن في يوم من الأيام سببا من أسباب الاختلاف، لأن الشعب الجزائري شعبٌ واحد انصهرت فيه العناصر العربية والأمازيغية عبر العصور، ولم يُعرف عن أهل القبائل -إلا من شذ منهم والشاذ لا يقاس عليه- أنه عادى العرب والعربية، أو عادى الإسلام، ويكفي الرجوع إلى تاريخ بجاية وتيزي وزو وغيرهما من مناطق القبائل للتأكد من رسوخ الثقافة العربية فيهما تماما مثل رسوخ الثقافة الأمازيغية في مناطق الجزائر الأخرى.

أعتقد في النهاية أن العربية والأمازيغية تشكلان معا دعامة مشتركة لبناء جزائر الود والتعدد التي عبَّر عنها رائد الحركة الإصلاحية الشيخ عبد الحميد بن باديس بقوله: “إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضع عشرة قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العُسر واليسر، وتوحِّدهم في السراء والضراء، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصراً مسلماً جزائرياً، أمه الجزائر وأبوه الإسلام. وقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس لخدمة العلم”.

مقالات ذات صلة