-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإمارات.. خنجرٌ في ظهر الأمة

حسين لقرع
  • 4243
  • 0
الإمارات.. خنجرٌ في ظهر الأمة

ربما كان المتتبعون والمحللون جميعا يتوقّعون منذ سنوات عديدة أن تطبّع الإماراتُ العربية المتحدة رسميًّا وعلنيًّا مع الاحتلال الصهيوني، بالنظر إلى ما كان يتسرّب يوميا من أخبار عن اتصالات ولقاءات سرية بين قادة الإمارات والكيان، لكنّنا لا نعتقد أنّ محللا واحدا كان يتوقّع أن تبلغ العلاقات بين الطرفين هذه الحميمية العالية، وأن تهيم الإماراتُ حبًّا بالاحتلال برغم جرائمه اليومية بحقّ الفلسطينيين، وتتماهى مع سياساته العنصرية الفاشية، وتتخندق معه، وتتحوّل إلى وكيلٍ له، وعرّابٍ للتطبيع، وتدخل في سباق محموم مع مملكة “أمير المؤمنين”: أيّهما أكثر هرولةً وانبطاحًا وخدمة للمشروع الصهيوني في المنطقة؟!

منذ أن وقّعت الإمارات في 13 أوت 2020 ما يُسمَّى “اتفاق أبراهام” مع الكيان الصهيوني، بدت العداوةُ والبغضاء لدى قادة هذا البلد “العربيّ المسلم” باتجاه كل ما هو عربي، وتحوّل إلى رأس حربةٍ في مشروع الكيان الصهيوني الرامي إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية تدريجيًّا، والاندماج في المنطقة، وكذا العمل على تفتيتها خدمةً لسايكس بيكو جديد يعيد تقسيمها للحفاظ على التفوّق الصهيوني… ومن أبسط الأمثلة على ذلك تأييد المجلس الانتقالي اليمني الرامي إلى إعادة تقسيم اليمن مجددا وبعث دولة “اليمن الجنوبي”، وكذا المساهمة في الانقسام الفعلي الحاصل في ليبيا إلى حدّ الساعة، من خلال عرقلة أيّ تسويةٍ سلمية، والاستمرار في دعم تمرّد خليفة حفتر على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والسعي إلى إيصاله إلى الحكم بعد أن أقنعته بالتطبيع مع الاحتلال، ونظّمت رحلة لابنه صدام حفتر من دُبي إلى مطار بن غوريون في أوائل نوفمبر 2021 للقاءِ قادة الكيان وتقديم وعدٍ لهم بتطبيع ليبيا رسميّا إن ساعدوا أباه على الوصول إلى الرئاسة.

كما ساهمت الإمارات في محادثات التطبيع بين السودان والكيان والولايات المتحدة منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أفريل 2019 إلى غاية انضمامه إلى حظيرة التطبيع في جانفي 2021، إذ أغرت الخرطوم بالتطبيع مقابل مساعدات مالية، وهي الوسيلة نفسها التي تتبعها اليوم مع موريتانيا وتونس وربّما دول إفريقية مسلمة فقيرة أخرى لضمّها إلى مستنقع الخيانة، وهذا يعني أنّ الإمارات تستغلّ ما حباها اللهُ به من ثروات، ليس لمساعدة أشقّائها العرب والمسلمين كما كان يحدث في عهد الشيخ زايد رحمه الله، بل لخدمة التطبيع وخيانة القضية الفلسطينية من خلال استغلال الظروف الاقتصادية المزرية لعددٍ من الدول العربية والإسلامية الفقيرة لابتزازها وإغرائها بالانبطاح للاحتلال مقابل الفتات من مساعداتها المادية.

نتذكّر أنّه في 4 جويلية 2020، صرّح رئيسُ مجلس شورى حركة النهضة التونسية، عبد الكريم الهاروني، لـ”الجزيرة مباشر” أنّ حكام الإمارات حاولوا إغراء الرّئيس التونسي آنذاك الباجي قائد السبسي بالمال مقابل إقصاء النهضة من الحكم ومن الحياة السياسية، لكنّ السبسي تصدّى لهم بحزم وأجابهم قائلا: “تونس ليست للبيع”، وهو موقفٌ تاريخيٌّ يُحسب للرئيس الراحل. ونعتقد أن هؤلاء الحكّام قد سمعوا الآن جوابا مشابها من الرئيس قيس سعيّد وهم يحاولون إغراءه بالمال للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني وإدارة ظهره للجزائر مقابل دراهم معدودات، ونأمل أن يكونوا قد سمعوا ما يشبه هذا الجوابَ أيضا من قادة موريتانيا الذين لم يكتفوا بغلق السفارة الصهيونية ببلدهم خلال عدوان 2008- 2009 على غزة، وقطعِ العلاقاتِ مع الاحتلال، بل جرفوا أيضا مقرَّ السفارة الصهيونية بنواقشط وسوّوها بالأرض لمحو عار التطبيع الذي ألحقه بهم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في أواخر التسعينيات مقابل تحويل جوف أراضي بلده إلى مزبلةٍ للنفايات النووية الصهيونية.

والواضح أنّ تمسّك الجزائر بدعم القضية الفلسطينية والرفض القاطع للتطبيع والانبطاح، قد حزّ في نفوس حكّام الإمارات، فقرّروا الانتقام منها عبر السعي إلى تطويقها بدولٍ مطبِّعة من كلّ الجهات، حتى تكون تحت أعين الموساد على حدودها جميعا، وهي تستعمل ثرواتِها لهذا الغرض الدنيء خدمةً لاحتلالٍ مجرم فاشي عنصري قلّ نظيرُه في التاريخ.

ليس لدينا شكّ في أنّ سياسة حكّام الإمارات ستنقلب عليهم يوما، وأنّ أموالهم التي ينفقونها في خدمة أجندةٍ صهيونية إجرامية بالمنطقة سترتدّ عليهم خرابًا ووبالًا، مصداقا لقوله تعالى: “فسيُنفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلَبون”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!