الرأي

الاعتراف السراب

أرشيف

هناك دولٌ تسعى للحصول على مآرب هي في الأصل ليست من حقها، بطرق غير قانونية، ودوسا على القيم والأعراف، وبدلا من تحقيق ما تصبو إليه، تجد نفسها في حرج تاريخي أمام شعبها وأمام كل بلاد المعمورة، وانتزاع المغرب الاعتراف الأمريكي، بـ”سيادته” المزعومة على الصحراء الغربية يدخل ضمن هذا السراب، “بقيعة يحسبه الضمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”، وسيكون مخجلا جدا للمخزن أن يذكر التاريخ بأنَّ الرجل الأمريكي الذي منح اعترافه عبر تغريدة بـ”أحقيتهم” في التسيّد على الصحراء الغربية، متابعٌ قضائيا وقد يدخل السجن في سابقة تاريخية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومعروف قانونيا وإنسانيا بأن ما يقترفه السجين من معاملات واتفاقيات وإمضاءات في زمن ارتكابه لجرائمه، باطل، فما بالك أن يكون قد غرّد في لحظة سُكر سياسي، لم يكن هو نفسه يدركها، فما بالك أن يتحمل تبعاتِها بلدٌ كبير بحجم الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد كان المخزن على مدار عقود يمارس انتهاكاته في الصحراء الغربية في السر والكتمان، ينهب ثروات البلاد ويكتم صرخات العباد، ونسي بعض الناس القضية العادلة في زحمة الأزمات العالمية من اقتصادية وسياسية وصحية… ولكن تغريدة ترامب واعترافه الباطل بـ”السيادة” المزعومة للمغرب على الأراضي الصحراوية جعلت الكثير من الضمائر تصحو، فأخرجت بلدانٌ ملف القضية الذي كان على الهامش، وعاودت حساباتها، ولم تكترث هذه المرة لاعتراف أمريكا، لأن الفاعل رجلٌ مغضوب عليه شعبيا وقضائيا، كما باشرت الولايات المتحدة بقيادة رئيسها الجديد دفن كل الذكريات السيئة التي تركها الرئيس السابق، إما بطمس آثار قدميه من بلاط البيت الأبيض أو بتجفيف بصماته من ملفات السياسة الخارجية قبل الداخلية في عهدته، أو بنسف بطاقة الذاكرة من جهازه الإلكتروني الذي كان يغرّد عبره “عطساته” التي اتضح مع الوقت بأنها من شاكلة فيروس كورونا لا تمسّ عدواها إلا الذين رفضوا التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة وهم بحضرة رئيس مريض باعتراف شعبه.

هناك بعض الأنظمة تختار الوقت المناسب للضرب، على طريقة المعلم القدير، ويجب الاعتراف بأن الصهاينة كانوا دائما موفقين في مكرهم وخداعهم، فيظهرون مظلومين وهم الظالمين، ويخطفون دعما ماليا ومعنويا في الوقت الذي يريدونه، فقيل دائما عنهم إنهم يربحون حروبا لا يخوضونها أصلا، وينتصرون مهما كان بطشهم وأنين ضحاياهم بسبب اختيارهم الدقيق للمكان وللزمان وللأشخاص، لكن المخزن خاب سعيه، عندما اختار الزمن الوبائي الخاطئ والمكان الذي يجعله على بعد خطوة من الجار الشرقي الذي لا يعبث في مثل هذه الأمور، وأكثر من ذلك راهن على رجل أطلق تغريدة عابرة للقارات وهي في الأصل لم تصل إلى بلده أمريكا، فاتضح مع مرور الوقت بطلان الاعتراف الأمريكي بـ”سيادة” المغرب على الصحراء الغربية، لأنه بالمختصر المفيد مجرد اعتراف سراب، لم يره سواه.

مقالات ذات صلة