الرأي

التـ”كييف” الدبلوماسي

عمار يزلي
  • 850
  • 0

تمضي الدبلوماسية الجزائرية لتعمل على جميع الاتجاهات، ضمانا لقرارها السياسي ونفوذها الدبلوماسي ونفاذها الاقتصادي.

تمضي على المستوى الإفريقي لرأب الصدع بين الفرقاء في إفريقيا ودول الساحل خاصة، وتجمع على أرضها المؤثرين من دعاة دينيين على مختلف الديانات والمشارب مع زعماء القبائل النافذة وأهل الحل والربط، فيما تسعى جاهدة لتفعيل ديناميكية التنمية في شمال مالي وبعض الدول الإفريقية المجاورة لتجاوز عقبات المصالحة وتجفيف منابع الحركات المتشددة التي تستثمر في الفقر والجهل والأمية.

الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، أوكلت لها مهمة ذلك من خلال تخصيص مبلغ مليار دولار لهذه المهام، مبلغ يضاهي ذلك الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2022، عندما قرَّر هذا الأخير في منتدى شرم الشيخ للمناخ، تخصيص مليار يورو لإفريقيا من أجل “التكيف مع التغير المناخي”.

وتكيّفًا مع المناخ العام السائد في أوروبا وآسيا، لاسيما الوضع المتأزم في أوكرانيا، تقرر الجزائر إعادة فتح سفارتها في “كييف” تكيّفًا مع الوضع الجديد الذي لا يزال هشا هناك، وهذا من خلال إبقاء السفارة مفتوحة تسيّر من طرف قائم بالأعمال، ضمانا لمصالح الجزائر والجالية الجزائرية هناك. هذا التكيف مع حالة “كييف”، يأتي ضمن العمل المتوازن مع القوى المتصارعة في المنطقة، لاسيما قبيل زيارة الدولة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية لروسيا في ماي المقبل. هذه الزيارة التي يبدو أنه حضّر لها بهدوء وعلى نار هادئة لما في القضية من ثقل مشاريع تنموية وحرارة نتيجة الوضع الدولي تجاه روسيا. الجزائر التي لا تريد أن تصطفَّ مع أيٍّ كان في الحروب.

كما أن زيارة رئيس الجمهورية التي كانت مقررة في ماي أيضا لفرنسا، والتي يبدو أنها ستُؤجَّل إلى وقت لاحق حتى ينقشع غيم سماء باريس تجاه ما اقترفته هذه الأخيرة مع الجزائر، كانت ستؤكد موقف الجزائر غير المنحاز لأي تكتل ضد الآخر، وتوازن مصالحها وموقفها ومواقعها بين الأطراف المتنازعة والمتصارعة في المنطقة.

التكيُّف الدبلوماسي مع الأوضاع القائمة، هي سمة وخصوصية جزائرية، فهي لا تسعى إلى تغليب طرف على آخر في أي أزمة، وتسعى دوما إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، وهذا ما فعلته في كل مكان وكل حين من الملف الليبي حتى قبل “الثورة” وما بعدها. نفس الشيء في اليمن وسورية وتونس وباقي البلدان التي عرفت هزات أمنية وسياسية. الدبلوماسية الجزائرية تتعامل بشكل عملي، تحاول أن توحّد وتقارب بين وجهات النظر ولا تدقُّ الأسافين بين الإخوة، ولو بدا بينهم العداء. هذا ما قاله رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع ممثلي الصحافة الوطنية: “العدو الوحيد عندي هو مشكل التنمية”، يؤكد هذا التوجه ما صرح به رئيس الجمهورية قبل أشهر لإحدى الصحف الفرنسية بأن الجزائر تدعم التنمية في مالي وفي باقي دول الساحل، وأنها لا تريد أن ترى أموال ومقدرات هذه الدول تذهب إلى الشركات الأمنية العسكرية مهما كانت، روسيةً أو غيرها، هذه الأموال من المفروض أن تنفق من أجل التنمية.

الإرهاب إذن هو ابن الفقر، وهذا ما تعمل لأجله الجزائر على جميع المستويات ومنها مستوى الدبلوماسية الاقتصادية، التي يبدو أن كثيرا من الطاقم الدبلوماسي والقنصلي لا يزال لم يتحرك بالسرعة القصوى في هذا الاتجاه ولا يزال يسير على عقلية السابق، وهذا ما يفسر الحركة الواسعة في السلك الدبلوماسي والقنصلي مؤخرا.

مقالات ذات صلة