الرأي

التلوُّث ينتصر في بير العاتر!

محمد سليم قلالة
  • 1086
  • 3
ح.م

في الوقت الذي يستقطب المستقبل السياسي للبلاد اهتمام الكثير من المُتابعين، وفي الوقت الذي لا تتوقف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن رصد تصريحات هذا أو ذاك من السِّياسيين أو أشباه السياسيين والتعليق عليها ومحاولة جعلها حديث الساعة، وفي الوقت الذي نكاد يوميا نستيقظ على السياسة وننام عليها… لا يستيقظ مواطنون في الجزائر العميقة ولا ينامون إلا على هاجس التلوث البيئي الذي كاد يقضي عليهم قبل التلوث السياسي…

كَلَّمني منذ أيام السيد “عمارة عماروش”، وهو أحد مواطني بير العاتر، ومن المتابعين للشأن العام عبر مختلف وسائل الإعلام، قائلا: نحن نموت ببطء في هذه المدينة دون أن ينتبه إلى حالنا أحد.. نموت لأننا لا نتنفس هواء طبيعيا مثل كل الناس، ولا نعيش حياة عادية كالتي يعيشها كافة البشر. كل ما حولنا أصبح مُلَوثا نتيجة عدم احترام البيئة من قِبل المسؤولين، ونتيجة التفريط في أدنى شروط الوقاية من قِبل مديري مصنع الفوسفات القريب منا. إننا نختنق جراء هذه الصناعة في الوقت الذي كُنَّا ننتظر منها أن تُعطينا الأمل في الحياة عن طريق توفير مناصب شُغلٍ لأبنائنا، ومداخيل من العملة الصعبة لبلدنا.

 وكأنه يقول لي: ما الذي جعل التلوث ينتصر في بلادنا على حساب الصفاء والنقاء؟ ما المانع من أن تكون لدينا صناعة تحترم البيئة وحياة المواطن؟ هل محكومٌ علينا إنْ أوجدنا صناعة في هذه البلاد أن يكون ثمنها صحة الناس وحياتهم؟

لقد استبشر الجميع خيرا بأن تم الانتباه إلى هذه المنطقة في السنوات الماضية، وتم الاعتراف بأنها يُمكن أن تكون منطقة صناعية بامتياز، وبأن أبناءها سيستطيعون العيش أخيرا بكرامة من خلال كدهم وجدهم لا من خلال نشاطات طفيلية لا مستقبل لها… صدّقنا جميعا أن المنطقة وما جاورها ستكون المدخل إلى تحقيق البديل الصناعي خارج المحروقات، وأن الجزائر، سادس منتج عالمي للفوسفات، ستقفز إلى المرتبة الأولى إفريقيا حتى قبل المغرب وتونس، وستجد لها مكانة في الأسواق العالمية.. وصَنَعْنا لأنفسنا من خلال هذه التباشير أملا في تَحوُّل كبير سيحدث لنا، إلا أن هذا كله ما لبث أن تلَوَّثَ بالغازات السامة كما تلوثت السياسة وكما تلوث المجتمع.

إلى متى نبقى هكذا؟ متى نصل إلى العيش في جو صحي غير موبوء؟ متى نجمع بين الكفاءة الصناعية وكفاءة الاهتمام بالمواطن، بصحته وحياته وقبل ذلك بالهواء الذي يتنفس؟ متى ننزل من وهم السياسة المرتبطة بمصير هذه الشخصية أو تلك إلى حقيقة السياسة المرتبطة بحياة المواطن وبأبسط أساسيات الحياة، الهواء النقي؟

متى نَكُف عن محاولة جعل المواطن يتنفس سياسة، وهو الذي لم يطلب سوى العيش بكرامة، وأن يتنفس هواء نقيا نقاء جبال وسهول بير العاتر وتبسة وسوق أهراس وما جاورها من بلاد الجزائر الواسعة؟

مقالات ذات صلة