-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الصّيرفة الإسلامية: واقع وآفاق

التّمويل الإسلامي وأثره في تنمية المجتمع

التّمويل الإسلامي وأثره في تنمية المجتمع
ح.م

إنّ ما يميّز العمل المصرفيّ الإسلاميّ هو التقيُّدُ بأحكام الشريعة الإسلامية، في جميع العقود، ومختلف العمليات والمعاملات. وتعدُّ الرقابةُ الشرعية ركيزة أساسية في بناء المؤسّسات المالية الإسلامية، وهي لها الدرع الواقي الّذي يحميها من الانحرافات، وصمّام أمان يعصمها من الزلل، ويحميها من القصور والخلل.

ولهذا الغرض، نصّت القوانين المنظّمة لهذه المؤسّسات على تشكيل هيئات الفتوى والرقابة الشرعية فيها، وإقامة إدارات للتدقيق الشرعيّ والرقابة الداخلية، فضلا عن الرقابة الإشرافية المركزية، التي تضطلع بها هيئاتٌ عليا، في مستوى البنوك المركزية. ومن أهمّ أهدافها التأكّد من أنّ المؤسّسات المالية الإسلامية ملتزمة بأحكام الشريعة، في تنفيذ العقود والمعاملات. وتقدِّم بذلك تقريرا لإدارة البنك المركزيّ، باعتباره الجهة الإشرافية على المؤسّسات المالية في الدولة.

الرقابة الشرعية صمّام أمان للمؤسّسات المالية الإسلامية

هيئات الفتوى والرقابة الشرعية: “المصداقية في الاستقلالية”:

تنصّ معايير الضّبط على الوظائف التي تؤدّيها الرقابة الشرعية، الداخلية والخارجية، وتبيّن اختصاصاتها وصلاحياتها، وأسلوب ممارساتها لعملها. وتتلخّص في متابعة مختلف الأنشطة والأعمال والتصرّفات والعمليات، التي تقوم بها المؤسّسة، وفحصِها وتحليلِها، للتأكّد من أنّها تتمّ وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، مستخدمة الوسائل والأساليب الملائمة، الكفيلة ببيان المخالفات والأخطاء، وتصويبها، ووضع البدائل المشروعة لها، وتقديم التقارير إلى الجهات المعنية، متضمّنة الرأي الشرعيّ، مشفوعا بالإرشادات والتّوصيات والقرارات، الّتي يتعيّن مراعاتها، من أجل تحقيق الكسب الحلال، وبغرض التطوير إلى الأفضل، في الحال والمآل.

تتولّى الرقابة الشرعية الداخلية إدارة ترتبط بأعلى مستوى في المؤسّسة، وتكون مستقلّة إداريا. فهي تتبع تنظيميا المديرية العامة للمؤسّسة، وتتبع وظيفيا هيئة الفتوى والرقابة الشرعية.

تنفّذ هذه الإدارة زياراتٍ رقابية ميدانية، بصفة دورية، لإدارات المؤسّسة وفروعها، وتعدّ بذلك تقريرا دوريا تبيّن فيه نتائج الرقابة والتدقيق الشرعي لمختلف الأنشطة والعمليات الّتي كانت موضوع رقابتها وتدقيقها. ومن مهامّها متابعة تنفيذ قرارات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية، وضمان التزام الإدارة بأحكام الشريعة الإسلامية، في جميع المعاملات، وكشف أيّ انحرافات أو مخالفات، وإبلاغ الإدارة بذلك فورا، لاتّخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الخطإ، واستدراك الخلل، وضمان عدم تكراره.

 أما هيئات الفتوى والرقابة الشرعية، فتنصّ معايير الضبط على استقلاليتها، وتصفها بأنّها “جهاز مستقلّ”. وتعني بهذا الوصف: “الاستقلال” عن إدارة المؤسّسة؛ فالهيئة، في مجال اختصاصاتها، هي الّتي توجّه الإدارة، وتراقب أعمالها، وقراراتها ملزمة، وواجبة التنفيذ، فهي توجّه نشاط المؤسّسة، وهذه وظيفة الفتوى وبيان الحكم الشرعيّ، وهي الّتي تراقب نشاط المؤسّسة، وتشرف عليه، وهذه وظيفة المراجعة.

تقوم الهيئات الشرعية بالمراقبة الواجبة، لإبداء الرأي في التزام البنك بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها السمحة. ومسؤوليتها تنحصر في إبداء رأي مستقلّ، بناء على مراقبتها لأعمال البنك، وفي إعداد تقرير للجمعية العامة. وتقع على الإدارة مسؤولية التأكّد من سلامة التطبيق.

يتعيّن على الإدارات التنفيذية بالمصارف الإسلامية أن تلتزم بمعايير الضبط الخاصة بهيئات الفتوى والرقابة الشرعية، وتكفل لها استقلاليتها، وتسهر على تطبيق القوانين واللوائح المنظّمة لعملها. وكلُّ إخلال بهذه الشروط من شأنه أن يكون مدعاة لزعزعة الثقة في الصيرفة الإسلامية، ويعطي خصومها الفرصة للنيل من سمعتها، والطعن في مصداقيتها.

إنّ الهيئات الشرعية تقوم بوظيفتي: الفتوى والمراجعة. والوظيفتان متكاملتان، من منظور الأهداف والغايات، والمهامّ والصلاحيات، وذلك التزامًا بالمسؤولية الشرعية، وتعزيزًا للثقة، وتحقيقا للمصداقية. ولا تتحقّق أهداف هذه الهيئات إلاّ بالقيام بوظيفتي الإفتاء والمراقبة معًا. كما أنّ استقلاليتها، وتحلّيها بروح المسؤولية، وقيامها بمهامّها على الوجه المطلوب، هو الّذي يُكسبها المصداقية، ويعزّز ثقة المتعاملين في التزام المصارف الإسلامية بأحكام الشريعة الغرّاء، في عقودها ومعاملاتها. والمسؤولية التي تتحمّلها الهيئات الشرعية رسالتها جليلة وأمانتها ثقيلة، في ميزان الخالق سبحانه، وفي ميزان الأمّة. وعلى الذين يتحمّلون تبعات هذه المسؤولية أن يستشعروا رقابة الله على أعمالهم وشهاداتهم، ويذكروا وقوفهم بين يديه، عزّ وجلّ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين. يوم لا يغني أحدٌ عن أحد، ولا يجزي فيه والدٌ ولا ولد.

الخلاصة:

إنّ المصارف الإسلامية، برفعها شعار الإسلام، تحمل رسالة حضاريّة تلزمها أن تكون أنموذجا صالحا، يمثّل الإسلام تمثيلا صادقا. ذلك أنّ مسؤوليتها لا تتوقّف عند تحقيق أفضل عائدٍ ممكن للمساهمين والمستثمرين، فحسب، بل إنّ عليها مسؤوليّة أخرى، أمام الله سبحانه، وتجاه الأمة؛ إنّها مسؤولية إعطاء الإسلام صورته الحقيقيّة، كنظام شامل لكلّ نواحي الحياة، والسعي لإرساء قواعد نظامه الاقتصادي، من خلال إقامة الشركات الاستثمارية، وشركات التأمين التكافلي، وتوجيه الاستثمارات إلى المشاريع التي تهدف إلى إنتاج الطيبات من الرزق، وتحقيق الحياة الكريمة الرغدة للمجتمع المسلم.

إنّ غاية الأمل أن يكون للعمل المصرفي الإسلامي أثرٌ ملموس في علاج مشكلات الفقر والبطالة، من خلال المشاريع النافعة، التي تعود على المجتمعات الإسلامية بالخير والفائدة، وتكفل للأمّة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية بالسبل المشروعة. الأمل وطيدٌ في أن تتّجه عناية المصارف الإسلامية إلى صيغ التمويل المنتِجة، وتجتهد، ما وسعها ذلك، لكي تخرج من المجال الضيّق للمرابحة، التي لا تناسب، في تقديرنا، رسالة المصارف الإسلامية، ولا تنسجم مع منهجها وطبيعتها التنموية، ولا مع خصوصيتها الحضارية.

هذا، ولا يفوتنا أن نقول في الختام: إنّ كلّ من أسهم في تأسيس هذا المشروع، ووضع فكرته موضع التنفيذ، وكلّ من وقف إلى جانبه، وشدّ من أزره، حتى بلغ أشدّه، له أجره وأجر من عمل به وأعان عليه، إن شاء الله، لأنه انتصارٌ لشرع الله، وإنقاذٌ للبشرية من براثن الاقتصاد المادّي، ومن ويلات نظمه المختلّة الّتي وضعتها لنفسها، وأوصلتها إلى حافة الهاوية، بما أفرزته من تضخّم وبطالة، وكساد وفساد.

وإذا كان المؤسّسون الأوائل قد بذلوا ما استطاعوا، لتحقيق هذا المشروع الحضاري، فإنّ باب الاجتهاد مازال مفتوحا لمن جاء من بعدهم، لكي يواصلوا جهودهم، حتى تبلغ المصارف الإسلامية غاياتها. ولن تكون جهودُهم لتطوير العمل المصرفّي الإسلامي، وتنقيته من الشوائب بأقلّ ممّا قدّمه الأوائل الّذين صدّوا، بعزمهم وصبرهم، محاولات القضاء على هذه المؤسّسات، وهم اليوم يدعمون أساسها، ويقوّون بنيانها، لتجني الأجيال من بعدهم ثمارها.

ويبقى على البلدان الإسلامية أن تستخلص الدروس من التجارب الناجحة في هذا المجال، وأن تتحرّر من قيودها، ولا تستجيب لإملاءات أعدائها، ولا لأهواء المستَلَبين من أبنائها، فلا حلّ لمشكلاتها، ولا انفراج لأزماتها، إلاّ في الإسلام، ولا مخرج للمسلمين، في مواجهة العولمة، والتحّدي الاقتصادي والحضاريّ، إلاّ بتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يقدّم البديل السهل الميسور، المتمثّل في إحلال المشاركة في الربح والخسارة محلّ المداينة بالفائدة، ومن ثمّ اعتماد الربح كآلية فاعلة رشيدة، لإدارة النشاط الاقتصادي المعاصر.

إنّنا نريد أن تصبح المؤسّسات المالية الإسلامية هي الواجهة الّتي تعكس بصدق، صورة الإسلام، كنظام صالح لكلّ زمان ومكان. ذلك ما يتطلّع إليه كلّ مسلم يريد أن يعيش حياته الروحية والمادية، في ظِلال تعاليم الإسلام وشريعته السّمحة، التي أقامت دولة العدل والإحسان، وشادت حضارة العلم والإيمان.

واللهَ نسأل أن يجعل يومَنا خيرا من أمسنا، وغدَنا خيرا من يومنا، وأن يفقّهنا في ديننا، ويشرح صدورنا للإسلام، فإنّه من يُرد اللهُ أن يهديه يشرح صدره للإسلام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • البشير

    الاسلام لا علاقة له بالتنمية وما يسمونه بالصيرفة او التمويل او البنوك الاسلامية ما هي الا خزعبلات وتحايل على اموال المسلمين

  • soufiane sisi ben ben ben

    سلام اطلقوا االاقتتصاد الاسللامي الشمولي