الرأي

“الثروة” الزراعية

عمار يزلي
  • 4243
  • 3
أرشيف

يبدو أننا أخيرا بدأنا نفهم أن الفلاحة هي المصدر الأساسي لتنميتنا ولأمننا الغذائي القومي، وأن “الثروة الزراعية” لا تقل أهمية عن الثروة النفطية.
صحيح، أن القضية الزراعية كانت من بين الاهتمامات الكبرى للدولة الوطنية منذ فجر الاستقلال، مع “قانون التسيير الذاتي” (1963)، الذي كان أول إصلاح زراعي لتجاوز أزمة تحوُّل الملكية والفراغ الذي خلفه رحيل المعمرين عن الجزائر والأراضي الشاسعة التي صارت فيما بعد تابعة للدولة (والتي كانت تابعة للباي في العهد التركي، فسميت “أرض البايلك”)، مرورا بقانون الثورة الزراعية (1971). هذه القوانين والمشاريع والمخططات التنموية التي بُرمجت لإحداث طفرةٍ زراعية وصناعية وحتى ثقافية، لم تنجح كما بُرمج لها وإن كانت قد خلقت القاعدة التي نعتمد عليها اليوم في التنمية، إنما قاعدة وبنية مهلهلة بفعل انتقال الملكية وتداخل الرؤى الاقتصادية بين النموذج الاشتراكي والليبرالي.
كان على الدولة الوطنية أن تُحدِث طفرة في مجال التنمية، لكن البرجوازية الوطنية لم تكن قوية، لا في المجال الزراعي ولا في المجال الصناعي، فكان الاتجاه الاشتراكي، أو لنقل بشكل أوضح: اتجاه رأسمالية الدولة؛ الدولة هي من تملك رأس المال بعد التأميمات الكبرى والصغرى بعد الاستقلال!
فكرة “الأرض لمن يخدمها”، التي تعود اليوم في خطاب رئيس الجمهورية والوزير الأول، هي أساس قانون “الثورة الزراعية” في 1971، والخلاف حولها بين القيادات كان هذا السؤال: هل الأرض لمن يخدمها أم الأرض لمن يحبها!؟ واتضح مع الوقت أن قايد أحمد (مسؤول جهاز الحزب وقتها)، كان يحمل مشروعا أكثر نضجا وعقلانية، وهو أن الأرض يجب أن يخدمها من يحبُّها، لا من لا يحب عمل الأرض، فالعمل أساسه الحب، ومن لا يحب شيئا لا يمكن أن يتقنه ولا أن ينجح فيه، فالقصد كان إعطاء الأراضي التي كانت تابعة للمعمِّرين، لكبار الملاك الزراعيين والمستثمرين الخواص، لا توزيع 7 هكتارات لكل فرد ضمن مجاميع تعاونية تحوَّلت إلى بيروقراطية تسيير فلاحي.. الملكية الجماعية لا تمشي.. الملكية فردية هي الأصل، الإنسان بالفطرة يحب أن يتملك شيئا، لا أن تُشرك ملكيته مع الغير.. المثل يقول “الشركة هلكة” و”خبزو عشرة ما تطيب”، وهذا هو سرّ الخلاف بين الراحلين بومدين وقايد أحمد.
اليوم، نعود للحديث عن الزراعة كمصدر ثان بعد النفط، لكن للأسف بعد طول انتظار.
لقد اخترنا النموذج السوفييتي في التمنية في السبعينيات لما تبنينا مخطط “ديبرنيس” التنموي الذي يعتمد على الصناعات المصنّعة، وجعلنا الزراعة تعتمد على الصناعة، أي على تراكم رأس المال الصناعي لاستثماره فيما بعد في الزراعة، وهذا ما حدث مع السوفييت أيام لينين، لما حاول هذا الأخير فرض ما سماه بـ”NEP”، أي السياسية الاقتصادية الجديدة. اعتمد على التصنيع قبل الزراعة حتى صار المواطن لا يجد ربطة نعناع فيما يوجد دبابة وجرار وشاحنة! على العكس، كان بإمكاننا أن نتبع النموذج الصيني الذي اعتمد على الزراعة في البداية لتشغيل أكبر عدد من العمال والقضاء على البطالة، وها نحن نعود لعلنا نجيب على سؤال عجوز في السبعينيات راحت تبحث عن قصبر للشربة في رمضان فلم تجد لها رائحة في السوق، سألت عندها آخر بائع: واش غادي نطيَّب؟ قال لها البائع: طيّبي.. العربي! (كان وزيرا للفلاحة!).

مقالات ذات صلة