الرأي

الثورة الخمينية.. ثورة إسلامية أم صفوية؟

سلطان بركاني
  • 4685
  • 92

كان في وسعنا أن نستغني عن الحديث في أمثال هذه المواضيع، ونركز جهودنا على مواضيع الساعة التي تشغل الرأي العام العربي والإسلامي، إلا أن إصرار بعض الكتاب على تلميع صورة إيران وثورتها وقادتها، بشكل هستيري يدعو إلى الريبة، ويبعث على الشك في أن الهدف ليس مجرد طرح آراء يفترض أن تكون محل نقاش وأخذ ورد، وإنما الهدف هو البحث عن موطئ قدم لمشاريع طائفية، ما دخلت بلدا إلا كانت سببا في فتنة يُعرف أولها ولا يعرف آخرها، هذا الإصرار هو ما يجعلنا نعود من حين لآخر لأجل تعديل الكفة ووضع الأمور في نصابها.

الثورة الخمينية في نظر دعاة التصحيح

حقيقة الخميني وثورته، من المواضيع التي كانت ولا تزال تختلف حولها الآراء، لكن بعض كتابنا يتعمدون طرحها ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ بصورة توحي أنها محل إجماع بين كل الأطياف والأطراف ولا يخالف فيها إلا شذاذ الآفاق، وهي التي أسالت كثيرا من الحبر وطُرحت حولها كثير من التساؤلات قبل وبعد نجاحها، ليس فقط في الأوساط السنية، وإنما أيضا في الأوساط الشيعية التي رأت بعض نخبها التصحيحية أن الثورة الخمينية وإن بدت ثورة إسلامية ضد الملكية العلمانية المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل، إلا أنها في وجهها الحقيقي ثورة طائفية شعوبية هدفها الأساسي هو إعادة بعث الدولة الصفوية فكريا وسياسيا، لذلك لقيت من القبول والدعم والتغاضي الغربي ما لم تلقه حركة إسلامية أخرى بعد سقوط آخر خلافة جمعت المسلمين.

يقف في صدارة هذه النخب، الدكتور الشيعي المجتهد موسى الموسوي، الذي ألف كتابا عنوانهالثورة البائسةوآخر عنوانهيا شيعة العالم استيقظوايبرز فيهما الوجه الحقيقي للخميني وثورته، إضافة إلى كتب أخرى يدعو فيها إلى تنقية المذهب الشيعي من التراث الصفوي، منهاالشيعة والتصحيح، والصرخة الكبرى“.

 وقد أماط الموسوي في كتابهالثورة البائسةاللثام بالأدلة والوقائع عن كثير من الحقائق الصارخة التي يُمعن المدافعون عن الخميني ودولته في غض الطرف عنها؛ من أبرزها، تعاون إدارة الرئيس الأمريكيجيمي كارترمع الخميني لإسقاط الشاه العلماني، استعانة الخميني بقطع الغيار والسلاح الإسرائيلي في حربه مع العراق، ورفضه الصلح الذي بادر به عدد من علماء العالم الإسلامي وقَبِله صدام لإنهاء الحرب التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين، تنكيل محاكم الثورة وحرسها بالمعارضين عموما وبأهل السنة خصوصا..

 

الثورة البائسة

لقد تعاونت إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطيجيمي كارترمع الخميني لإسقاط الشاه الذي أنفق ملايين الدولارات على الحملة الانتخابية التي خاضهاجيرالد فوردمرشح الجمهوريين في انتخابات يناير 1977، وبدأ التواصل بين الطرفين عندما كان الخميني فيتوغل  لوشاتوالفرنسية، وترجمت أمريكا تعاونها عملياً فأرسلت الجنرال هويزرنائب رئيس أركان القيادة الأمريكية في أوروبا إلى إيران للقيام بالمهمة، وقد اعترفت أجهزة إعلام السوفيات يومها بأن هويزر وصل إلى طهران للقيام بانقلاب عسكري، وبالفعل استطاع هويزر تحييد الجيش الإيراني، وإقناع جنرالاته بالتخلي عن الدكتورشابور بختياررئيس الحكومة الائتلافية آنذاك، وهي الحقائق التي اعترف بها الرئيس الإيراني الأول لإيران الخمينية الدكتور أبو الحسن بني صدر.

ولعل من المفارقات العجيبة في هذا الصدد، أنه وفي الوقت الذي أبدى كثير من دعاة التصحيح خوفهم من عودة الصفوية على أجنحة الطائرة الفرنسية التي حملت الخميني إلى طهران بعد نجاح الثورة، فقد سارع البابا يوحنا بولص الثاني إلى تأييد الثورة الإسلامية ومباركتها، في رسالة حملها السفير البابوي في طهران للخميني (طهران، كونا: 18/ 2/ 1979)!.

 

الخميني يستعين بالسلاح الإسرائيلي

في خطوةٍ استعراضية تهدف إلى دغدغة عواطف المسلمين، قام الخميني بعد نجاح ثورته بإغلاق السفارة الإسرائيلية، لكن هذه الخطوة لم تمنعه من الاستعانة بقطع الغيار وبالسلاح الذي تفانت إسرائيل في توفيره لإيران في حربها مع العراق، وقد حاول نظام الخميني إخفاء هذه الفضيحة، ولكنها كانت أكبر من أن تخفى، خاصة بعد سقوط الطائرة الأرجنتينية، واعتراف الطرف الإسرائيلي بهذه الصفقة التي سميت فيما بعد فضيحةإيران غيت، ما اضطر أجهزة الخميني في النهاية للاعتراف.

 

الخميني في مواجهة التصحيح

عرفت إيران أواخر العهد القاجاري وفي عهد الملكية البهلوية (1925 ـ 1979)، تنافسا غير متكافئ بين تيارين شيعيين؛ تيار تصحيحي يدعو إلى تنقية التشيع من تراث التكفير واللعن والغلو والخرافة الذي جعلته الدولة الصفوية من ضروريات المذهب الشيعي وأساسياته التي لا تقبل النقاش، مثل هذا التيار عدد من العلماء والمفكرين كان على رأسهم الأديب المفكر أحمد الكسروي (ت: 1906) صاحب الكتاب القنبلةالتشيع والشيعة، العلامة أبو الفضل البرقعي (ت: 1992) صاحب كتابكسر الصنم، شريعت سنكلجي (ت: 1944)، إسماعيل آل إسحاق الخوئيني (ت: 2000) صاحب كتابعلي هو علي وليس يا علي، حيدر علي قلمدران القمي (ت: 1989) صاحب كتابطريق النجاة من شر الغلاة، إضافة إلى الدكتور علي شريعتي (ت: 1977) صاحب كتابالتشيع العلوي والتشيع الصفوي، ومصطفى حسيني الطباطبائي، وحجة الله نيكوئي.. وغيرهم كثير، تعرضوا للتهديد والتضييق والمطاردة من طرف أتباع التيار الصفوي المتنفذ الذي كان يسعى لأن تكون له سلطة تجعله يفرض خياراته بقوة الدولة، بعد أن كان يفرضها بلغة التهديد والتصفية خارج القانون؛ وقد استطاع بالفعل أن يُسكت كثيرا من الأصوات كما فعل مع المفكر أحمد الكسروي الذي اغتيل بسبب كتابهالتشيع والشيعة، وكما فعل مع العلامة البرقعي الذي تعرض هو الآخر لمحاولة الاغتيال أكثر من مرة.

كان الخميني ومنذ بداياته واحدا من رموز التيار الصفوي، وكان يضيق ذرعا بالتفاف الشباب حول دعاة التصحيح، ويتطلع لفرض خياراته، وبعد نجاح ثورته كانت تهمةمعاداة الثورةوسيلة لإسكات كل صوت يدعو إلى تصحيح المذهب، حيث تواصل مسلسل استهداف علماء التصحيح وتمت تصفية بعضهم كما حصل للبرقعي، وسجن كثير منهم كما حصل مع الخوئيني وسنكلجي وقلمدران وغيرهم.

 

الخميني يتبنى العقائد الصفوية

لقد تبنى الخميني قبل الثورة وبعدها الغلو الذي ألصقته الدولة الصفوية بالتشيع، وأخرج التراث الصفوي لينشره في العالم الإسلامي بعد نجاح ثورته، وأصبحت كتب المجلسي والجزائري (من جزائر البصرة) والكاشاني والحر العاملي والطبرسي وغيرهم من غلاة التشيع توزع على أوسع نطاق، وإمعانا في تبني الخيار الصفوي، قامت دولة الخميني من بعده بإقرار 3 مشاريع لترميم مزار أبي لؤلؤة المجوسي، الذي أهمل في عهد الشاه ورمم في عهد الثورة الإسلامية!.

لقد اكتشف كثير من المتحمسين حجم التناقض بين الخطاب الذي كان الخميني يوجهه للاستهلاك الإعلامي ويدعو فيه إلى الوحدة الإسلامية لمواجهة الإمبريالية والصهيونية، وبين ما يؤصله في كتبه وفتاواه، مما يعطي الدليل تلو الآخر على أنه مجدد الملة الصفوية في القرن العشرين، فهو الذي طعن في كتابهكشف الأسرار، الذي اضطر الشيعة إلى ترجمته ترجمة مهذبة للتخفيف من حدة العبارات التي حوتها ترجمة الدكتور البنداري، طعن الخميني في كتابه هذا طعنا لاذعا في حق الصحابة المرضيين عامة وفي حق الخليفتين أبي بكر وعمر خاصة، بل وطعن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الـ 1145 لمولد المهدي في 28 جوان 1980، كما أكد في محاضراته التي جمعت في كتابالحكومة الإسلاميةعقيدة الولاية التكوينية التي تجعل الأئمة في مقام أفضل من مقام الأنبياء، وتكون بموجبها جميع ذرات الكون خاضعة لولايتهم.

وعلى خلاف تصريحاته الموجهة للاستهلاك الإعلامي، فقد كرس الخميني في كتبه ورسائله أدبيات التشيع الصفوي في تكفير كل من لم يؤمن بالإمامة وفق المنظور الشيعي، وصرح بذلك في مواضع من كتابهالأربعون حديثا، وأفتى في كتابهتحرير الوسيلةبإلحاق من أسماهمالنواصب، أي أهل السنة، بأهل الحرب في جواز أخذ أموالهم أين وجدت وبأي نحو كان!.

 

وماذا بعد؟

كان لنجاح الثورة الخمينية الأثر البالغ في سيطرة التوجه الصفوي على التشيع، وأصبح لمذهب اللعن والطعن والغلو والخرافة دولة تحميه وتسخر ترسانة إعلامية ضخمة وأموالا طائلة لأجل الترويج له في دول العالم الإسلامي، فأصبح أكثر من 90 % من شيعة العالم لا يعرفون من التشيع إلا لعن الصحابة والخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، والغلو الفاحش في تقديس أئمة أهل البيت ورفعهم فوق مراتب الأنبياء ووصفهم بصفات ليست إلا للخالق سبحانه ودعاؤهم مع الله، والاستماتة في الدفاع عن نكاح المتعة!.

لقد آن لشيعة العالم أن يستيقظوا ويتفطنوا للمؤامرة التي أعادت التشيع الصفوي إلى الواجهة تحت عباءة الثورة الإسلامية، وآن للمدافعين عن الخميني وثورته اعتمادا على الدعاوى والتصريحات والمواقف الإيرانية الموجهة للاستهلاك الإعلامي، آن لهم أن يتفطنوا لحقيقة أن الشعارات التي رفعها الخميني لا تزال إلى الآن وبعد مرور 35 سنة، مجرد شعارات لدغدغة العواطف واستغفالالطيبينالذين لا يتعلمون من تجارب التاريخ والحاضر.

مقالات ذات صلة