الرأي

الجامعة الجزائرية وشروط الانتقال إلى العالمية

محمد بوالروايح
  • 2027
  • 15
أرشيف

لا تزال الجامعة الجزائرية بعيدة عن المواصفات العالمية، فلا يكفي لعلاج هذه المشكلة تنظيم ندوات أو فتح ورشات نعلم جميعا أنها غالبا ما تكون عملية ترقيعية لأزمة عميقة متراكمة مست المنظومة الجامعية في العمق، فإصلاح هذه المنظومة ليس بالأمر الهين، إنه عملية معقدة تحتاج إلى تضافر جهود كل الكفاءات الجامعية التي تملك مشروعا حقيقيا للإصلاح وليس مجرد اقتراحات ينتهي أثرُها بعد حين أو تبقى في الغالب حبرا على ورق لا يتحقق منها قليل ولا كثير، ثم تعود الجامعة الجزائرية بعدها كما كانت أو ربما أسوأ مما كانت.

لقد عجزت الجامعة الجزائرية كمثيلاتها من الجامعات العربية عن تحقيق رهان الانتقال إلى العالمية لأنها لا تمتلك شروط هذا الانتقال، وقد عبر ياس خضير البياتي في مقال له بعنوان: “الجامعات العربية تفتقد إلى مواصفات الجامعات العصرية” بصحيفة “العرب” التي تصدر في لندن، إذ يقول: “.. في الجانب الآخر لا تزال الجامعات العربية تفتقد إلى الكثير من مواصفات الجامعة العصرية وديناميكياتها وأساليبها الحديثة في التعليم والتعلُّم والإبداع، وتفتقر إلى رؤية قابلة للتطبيق في مجال التعليم والبحث العلمي والاختراع، مع فقدانها روح البحث العلمي واختفاء المراكز البحثية فيها، ما ساعد على تقويض نظام التعليم برمته، إذ أن نظاما تعليميا لا يتوقع من أساتذته الجامعيين أن يكونوا علماء وباحثين لا ينتج سوى خريجي جامعات من الطراز التقليدي”.

لقد لخص ياس خضير البياتي وضعية الجامعات العربية وعلل بُعدها عن المواصفات العصرية باحتفاظها بالأساليب الكلاسيكية وعجزها عن مواكبة تيار العصرنة وولوج عالم الإبداع والاختراع وفقدانها لروح البحث العلمي، وهذه كلها –في نظره- عوامل معيقة يستحيل معها إيجاد جامعة عربية بمواصفات عصرية. وأتفقُ مع ياس خضير البياتي في تحليله لواقع الجامعات العربية، ولكنني لا أريد أن أتناوله بالطريقة الشمولية وإنما في دائرة محدودة تقتصر على حالة الجامعة الجزائرية التي أنتمي إليها والتي أتمنى أن تخرج قريبا من طور التقليد إلى طور التجديد، ومن المحلية إلى العالمية، فالجامعة هي قاطرة المجتمع ونجاحها هو نجاح للمجتمع وفشلها –لا قدر الله- هو فشل للمجتمع كله.

كتبتُ من قبل عن واقع الجامعة الجزائرية، ولكن أجدني اليوم أكثر تحمسا للكتابة في هذا الموضوع في ظل النقاش الوطني الذي فتحه السيد رئيس الجمهورية حول رهانات التغيير الشامل وتحديات الانتقال إلى النظام الجديد الذي يتطلب بالضرورة إصلاحا شاملا للمنظومات القائمة ومنها المنظومة الجامعية، وفي هذا الصدد وإسهاما مني في هذا المشروع الوطني، أضع بين يدي الجامعيين والمهتمين بالشأن الجامعي تصوري لإصلاح الجامعة الجزائرية وشروط الانتقال إلى العالمية.

أولا: يجب تفعيل الدور الاجتماعي والاقتصادي للجامعة الجزائرية، فالجامعة التي تضع بينها وبين المجتمع حواجز مصطنعة، أو تفكر نخبتها بعقلية العقل المتفوق الذي يحلق في فضاءاته الفكرية ويعيش في برجه العاجي غير آبهٍ بهموم واهتمامات المجتمع لا يمكنها أن تتطور أو تصبح جامعة عالمية ولو أرادت؛ لأن أولى خطوات العالمية تبدأ من انفتاح الجامعة على مجتمعها الصغير قبل مجتمعها العربي الكبير ومجتمعها العالمي الأكبر. كثيرا ما نسمع القائمين على الشأن الجامعي يتحدثون عن نجاحهم في ربط الجامعة بمحيطها الاجتماعي والاقتصادي بإبرام اتفاقات بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية والمجتمعية المختلفة ثم يعدُّون ذلك إنجازا باهرا رغم أن الواقع أثبت أن هذه الاتفاقات محدودة الأثر، بل إن بعضها يظل حبرا على ورق لا يستفاد منها ولا يُلتفت إليها إلا في مناسبة معلومة وفي نطاق محدود لا يسمن ولا يغني من جوع لا يتجاوز تنظيم بعض الندوات المشتركة والزيارات المتبادلة ولكنه لا يعطي الأهمية اللازمة لتبادل حقيقي للخبرات.

ثانيا: تطوير التعليم الجامعي والانتقال من نمط التعليم الجامعي التقليدي إلى نمط التعليم الجامعي الرقمي الذي لا يكتفي بنقل المعلومة بل يسعى للوصول إلى مصادرها، فجامعاتُنا رغم الترسانة الالكترونية المتوفرة إلا أن حصادها في هذا المجال لا يكاد يُذكر، فلا تزال جامعاتنا إلى حد الآن تقليدية ورقية، ولا تزال كثيرٌ منها ترهق رفوف المكتبات والدوريات الجامعية بنسخ ورقية لا تُحصى للمذكرات والأطروحات الجامعية، صحيح أن بعض الجامعات اجتهدت في نقل هذه النسخ في أوعية الكترونية ولكنها –للمفارقة- لا تزال إلى حد الآن تُلزم طلابها بدفع نسخ معلومة من المذكرة والأطروحة إلى المكتبة ودفع مثلها أو تزيد إلى لجنة المناقشة ومن لا يمتثل لذلك يُمنع من المناقشة ويتعرض للعقوبة التي تقدرها الهيئات المسؤولة.

ثالثا: إصلاح نظام المنح والتربصات العلمية بالتخلي عن مبدأ الاستفادة الحولية المضمونة بمجرد حولان الحول والاستجابة لبعض المعايير العلمية، من حضور بعض الملتقيات الوطنية والدولية أو الكتابة في بعض المجلات المحكّمة، ووضع معايير صارمة في هذا المجال بحيث لا يستفيد من التربصات العلمية إلا من يستحقها ويقدِّم إضافة نوعية في هذا المجال، فكم من مستفيدين من التربُّصات العلمية يعودون كما ذهبوا ولكن بعد أن التهموا من العملة الصعبة ما يعدُّ إخلالا بالواجب المهني وإهدارا للمال العام.

رابعا: إعادة النظر في شروط تولي المسؤوليات العلمية والإدارية داخل الجامعة الجزائرية؛ إذ يجب أن تُعهد إلى من يملك مخططا حقيقيا لتطوير الجامعة وترقيتها ولا تعطى لمن لا يرى في المنصب إلا غنيمة أو طريقا للوصول إلى القمة ثم لا تجد له بعد عهدة أو عهدات ولا حتى بعد عشرينية كاملة أثرا من إنتاج علمي أو شيء من هذا القبيل. إن الجامعات العالمية في أوروبا وأمريكا لا يتعاقب على إداراتها إلا نخبة النخبة وصفوة الصفوة ولا تُعطى بالتقادم ولا بمجرد تحصيل الأستاذية وغيرها من الشروط التي قد يستوي فيها كثيرون، وفي هذا الصدد لستُ متحمِّسا لمقترح انتخاب مسؤولي الجامعات التي تنادي به المنظمات النقابية كوسيلة من وسائل دمقرطة الجامعة وضمان التداول على المسؤوليات، لأن هذا المقترح لا يخلو من مساوئ فهو سيؤدي إلى ظهور تكتلات داخل الجامعة فلا تؤول المسؤولية في النهاية إلا لمن يمتلك تكتلا أقوى، وتتكرر بالتالي حكاية البقاء للأقوى في الوقت الذي نسعى فيه إلى تحقيق مبدأ البقاء للأكفأ.

خامسا: القضاء على فكرة البحث العلمي للترقية العلمية التي تهمين على أذهان كثير من النخبة الجامعية التي تعتقد أنه ليس لها من عمل بعد الترقية العلمية إلا الخلود إلى الراحة وانتظار العلاوات والزيادات المريحة، كما يجب تثمين البحث العلمي وجعله قطب الرحى في النظام الجامعي وجعل الانضمام إلى فرق ومخابر البحث العلمي واجبا مهنيا وليس مجرد عملية طوعية أو تكميلية أو إلزامية أحيانا بحسب مزاج المسؤول.

سادسا: القضاء على البيروقراطية الإدارية وتعيين كفاءات إدارية واعية بدورها وقادرة على إدارة المال العامّ وتوفير كل الإمكانات التي تسهِّل عمل الطالب والباحث داخل الحرم الجامعي. ويلتقي رأيي في هذا المجال مع رأي ياس خضير البياتي إذ يقول في هذا الخصوص في مقاله سالف الذكر: “وعجزت الجامعات العربية عن أداء دورها بوصفها نظام إنذار مبكر لتنبيه المجتمع والحكومات، لأنها لم تزود أساتذتها وطلبتها بالوسائل ليكونوا مبدعين، بل عزلوا عن الاقتصاد وهم تحت رحمة الموظفين البيروقراطيين والمعينين، لأسباب سياسية، أو بيروقراطية، إذ لا يديرهم أساتذة وباحثون ذوو مكانة علمية مشهودة”.

مقالات ذات صلة