الرأي

الجبهة الداخلية أولى

ح.م

الهيئة الجديدة التي أعلنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في سياق عودة الجزائر إلى محيطها الدّولي، تطورٌ لافت في طريقة تعاطي الجزائر مع القضايا الإفريقية من خلال إنشاء “وكالة جزائرية للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية” لتكون النافذة الاقتصادية للجزائر على قارة إفريقيا التي اشتدت المنافسة عليها من قبل أكبر الاقتصاديات في العالم.

لكن السّؤال المطروح: هل تحققت الشّروط التي تجعل من الجزائر بلدا يمارس القوة النّاعمة عن طريق الاقتصاد والشّراكة وتبادل المصالح التجارية خصوصا ما تعلق بالسّوق الإفريقية الواعدة؟ أم أن هذه الهيئة ستكون فضاء آخر لصرف الأموال دون أن تكون رافدا إيجابيا لدعم الاقتصاد الوطني؟

الواقع المزري في الجزائر العميقة يقول إنّ الجزائر لا زالت بعيدة عن التأثير اقتصاديا في محيطها بسبب الصّعوبات التي تواجهها، رغم المحاولات الجارية للخروج من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد المنتج، وهو تحوُّلٌ يحتاج إلى قرارات جريئة، وعمل جبَّار لتغيير الثّقافة السائدة في المجتمع.

ومع تراجع احتياطات الصرف باتت الجزائر مهددة في أمنها الغذائي، في ظل الإهمال المتعمَّد للقدرات الفلاحية خلال العقود الماضية، وعلى الرغم من المحاولات الجادة لتجاوز هذا الوضع الحرج، إلا أن ضعف البنية التحتية ومحدودية الصناعية التحويلية أجهض تلك المحاولات وكبَّد الفلاحين خسائر فادحة، لذلك فإن بلدا بهذه المواصفات لا يمكن أن يقدم شيئا إلى إفريقيا إلا بعض الملايين من الدولارات المتأتية أصلا من مبيعات البترول.

جانبٌ آخر لا يقلُّ أهمية هو دور الحكم الراشد في تحقيق المناعة الاقتصادية، وما يجري من محاولات على صعيد مكافحة الفساد، لا يكفي لتحقيق هذا الهدف، لأن الأمر لم يكن يتعلق بقضايا معزولة للفساد، وإنما بمنظومة فساد بعضها مقنن ومعترف به ولا زال معمولا به إلى الآن، وإلا ما معنى أن تستفيد الطبقة الثرية من الدعم على المواد ذات الاستهلاك الواسع، أو أن يستفيد كبار المسؤولين من السيارات والخدمات المجانية لهم ولعائلاتهم، وغيرها من المظاهر التي يعرّفها البعض بأنها امتيازات المسؤولية، بينما هي في الواقع فساد مقنن؟

التأثير في المحيط الدولي يكون بجبهة داخلية محصّنة، وحركية اقتصادية مبنية على قواعد شفافة يستوي أمامها المواطنون جميعا، وبنية تحتية قوية، ومنظومة قانونية متكاملة، ومؤسسات وطنية ناجعة، وإذا لم تتوفر هذه الشّروط فإن الأمر يتحول إلى “بريستيج” رسمي يكلف الدولة أموالا ولا تجني منه شيئا.

وقد سبق للجزائر أن كانت رائدة في مبادرة الشراكة الإفريقية الجديدة من أجل تنمية إفريقيا “نيباد”، ولم تكن خطابات الرئيس السابق تخلو من الإشارة إلى هذه الشراكة الجديدة، وقيل كلامٌ كثير عن مستقبل إفريقيا في ظل هذه المبادرة، لكن لا شيء مما قيل تحقق، لذلك فإنّ تقوية الجبهة الداخلية ومعالجة الاختلالات والتأسيس لاقتصاد منتج هي أول خطوة لعودة الجزائر إلى التأثير في محيطها.

مقالات ذات صلة