الرأي

الجزائر تُلدغ من الجحر.. مرات

الذين تفاءلوا خيرا، بعد انهيار أسعار النفط، وظنوا بأن الأزمة المالية الخانقة التي عصفت بالجزائر ستلد همّة المسئولين، وسننتفض ونغيّر من طِباعنا ومسارنا، كانوا مخطئين، لأن “حليمة” الجزائرية، بمجرد أن انتعش سعر النفط، حتى عادت سريعا إلى عاداتها القديمة، وأضافت عادات جديدة تصبّ جميعها في غير الصالح العام.
فكيف نفسّر بقاء أرقام فاتورة الغذاء القادم من قارات العالم الخمس على حالها، وبقاء أرقام التصدير دون العدّ، برغم أربع سنوات عجاف شداد، مرت على البلاد؟
وكيف نفسر استيقاظ غالبية الوزارات من سباتها المالي العميق بمجرد أن استنشقت عبق “البترول”، وإبراقها لمختلف المصالح لأجل عمليات التوظيف، ودخول غالبيتها في تناقض مريع، كأن تحيي وزارة النقل مشاريع “ترامواي” التي جمّدتها وهي تدرك أن لا طائل منها، حتى أنك تخال مختلف المديريات والوزارات في الجزائر، إنما هي مصالح لصرف وتصريف المال العام وليس لخلق الثروة أو ترشيد استهلاكها، حتى وزارة الثقافة التي جعلت صيف الجزائريين ملونا بالغناء الجزائري، بحجة التقشف، عادت لتعلن عن عودة الصفة “العربية” و”العالمية” لمهرجاناتها الغنائية بفضل ارتفاع أسعار النفط.
قد نفهم من مشاريع السكن التي حوّلت المدن الكبرى إلى مراقد تحمل قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، كونها سلاح السلطة لربح السلم الاجتماعي واجتياز الاختبارات القادمة في سلم وأمان، ولكن أن تمر كل هذه السنوات العجاف من دون وضع حجر أساس _ على الأقل _ لمشروع قومي يخرج الجزائر من ظلمات التبعية إلى الاعتماد على النفس، فتلك المصيبة الكبرى التي تجعل بيتنا، أوهن من بيت العنكبوت.
لا أظن أن البلاد، ستسنح لها فرصة مثل الماثلة حاليا أمامها، من أجل أن تثور على الفساد المادي والأخلاقي الذي صار مثل الوباء الفتاك يقتل كل الخلايا الحية وينشر كل ما هو “ميت ومميت”، فقد أبانت سنوات انهيار أسعار النفط بأن السياسات التي انتهجتها الجزائر منذ عقود والتي تميزت بالشعبوية وبـ”السوسيال” القاتل، إنما كانت حبوبا مهلوسة تنسي الناس أنفسهم لبعض الوقت، ولا تعالج داءهم كل الوقت، وبأن جيراننا قد نجحوا بما نمتلك نحن أضعاف ما يكتنزون من أرض وتراث ومواقع فلاحية وصناعية وسياحية قادرة على فك أسرنا من تتبع أخبار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
لا يمكن لعاقل أن لا يفكر في غده، خاصة إذا كان له الكثير من الأبناء، فما بالك أن يعيش في الجزائر أكثر من أربعين مليون نسمة لا يعلمون في أي فلك اقتصادي واجتماعي يسبحون، فمن غير المعقول أن لا نزرع فسيلة بيدنا ونتركها تموت. وأن تبقى هذه المؤسسات من مجلس شعبي وطني ومن وزارات ومن مديريات مجرد إطارات ومرتبات من دون أفكار ولا حتى اجتهادات، فمعنى ذلك أننا نأبى إلا أن نلدغ من الجحر بدل المرتين.. مرات.

مقالات ذات صلة