-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الجهاد”.. هل تسبّبت في مذبحة للفلسطينيين؟!

حسين لقرع
  • 1505
  • 0
“الجهاد”.. هل تسبّبت في مذبحة للفلسطينيين؟!

بعد أن انتهت الجولة الجديدة من القتال بين حركة الجهاد وجيش الاحتلال، ينبغي للمقاومة أن تستخلص منها الدروس والعبر الضرورية استعدادا للجولات القادمة، فالمعارك لن تتوقّف بين احتلال استيطاني بغيض يريد ابتلاع فلسطين بأكملها وفرض الاستسلام على الفلسطينيين، ومقاومةٍ تريد تحرير بلادها كلها وطرد المحتلين الصهاينة ليعودوا إلى الدول التي جاؤوا منها. وفي هذه الحالة لن تتوقف المعارك وينتهي الصراع إلا بإحدى النتيجتين: إما دحر الاحتلال وطرده، أو انتصاره ونجاحه في سحق المقاومة والقضاء على إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه تماما.

تجاربُ الشعوب المستعمَرة عبر التاريخ تؤكّد أنّ الاحتمال الأول هو الأرجح، ويكفي أن تتوفّر لها الإرادة والاستعداد لتقديم التضحيات لتنجح في استعادة حريتها مهما كان الثمن. الأمثلة كثيرة، ولكنّنا نذهب فقط إلى التاريخ المعاصر وكيف تحرّرت فيتنام والجزائر وأخيرا، وليس آخرا، أفغانستان… كل هذه الشعوب المستعمَرة انتصرت على جلّاديها عبر خوض حروب تحريرية ضارية قدّمت فيها تضحيات جسيمة، يكفي فقط أن نذكّر بأن الجزائريين قدّموا أزيد من 6 ملايين شهيد طيلة 132 سنة من الثورات الشعبية ضدّ فرنسا، في حين قدّم الفيتناميون نحو 2 مليون قربانا في سبيل حريّتهم ونجحوا في افتكاكها من أمريكا سنة 1975.

وبرغم ضخامة التضحيات البشرية، لم نسمع أحدا قطّ اتّهم قادة جبهة التحرير الوطني، وقبلهم قادة الثورات الشعبية، بأنهم قادوا الشعب الجزائري إلى مذبحة كبيرة، أو من اتّهم قادة الثورة الفيتنامية على الاحتلال الأمريكي بالتسبّب في مقتل مليوني فيتنامي.. بل تحوّل قادة الثورة الجزائرية والجنرال جياب إلى أساطير في نظر الجزائريين والفيتناميين، لإدراكهم أنّ التضحيات كانت ضرورية ولا مفرّ منها للتحرّر من ربقة الاستعمار واستعادة الاستقلال والعزة والأنفة والكرامة، ولولاها لبقي الاحتلالُ الأمريكي في فيتنام إلى اليوم ولبقي الفرنسيون يستعبدون الجزائريين إلى حدّ الساعة ويتخذونهم خدما بأجور بخسة في أراضيهم التي اغتصبوها منهم. والأمر نفسه ينطبق على شعوب دحرت الاحتلال بعد سنوات طويلة من المقاومة والتضحيات وتقديم قرابين الحرية وآخرها الشعب الأفغاني بقيادة طالبان الذي نجح في إلحاق هزيمة تاريخية بجيش الاحتلال الأمريكي وأجبره على الانسحاب في أوت 2021.

نقول هذا ونحن نسمع البعض ممن بقلوبهم مرض يسارع إلى مهاجمة حركة الجهاد ويتّهمها بأنها تسبّبت في معركةٍ خاسرة مع الاحتلال كانت نتيجتها سقوط 45 شهيدا وجرح 311 آخر ودمار نحو 1500 مسكن، مقابل خسائر مادية بسيطة للكيان، وهي في الواقع اتهامات سمعناها خلال كلّ جولات القتال السابقة بين المقاومة وجيش الاحتلال في إطار حرص بعض المنبطحين على تبرئة الجلاد وتجريم الضحية على رفضها الخنوع والاستسلام، وتيئيسها، والتشفي في مصابها.

الفلسطينيون يواجهون الآن احتلالا استيطانيا يريد ابتلاع أرضهم كلها وتصفية قضيتهم وتهويد مقدساتهم، ويرفض حتى منحهم “دولة” هزيلة على حدود 1967 تشمل فقط 22 بالمائة من فلسطين التاريخية مقابل 78 بالمائة كاملة للاحتلال؛ هو يريدها كلها له، وإخضاع غزة بالحصار وجولات العدوان المستمرّة، لدفع المقاومة إلى اليأس. وإزاء هذا الواقع القاتم، ليس أمام الفلسطينيين إلا حلّان: إما الخضوع للاحتلال والتحوّل إلى هنودٍ حُمر بأراضيهم، إن لم يُهجَّروا منها، أو مواصلة المقاومة وتقديم القوافل تلو الأخرى من الشهداء إلى أن ينتصروا على العدوّ. ونعتقد أنّ الخيار الثاني هو الأصوب، وما حدث خلال الجولة القتالية الأخيرة يندرج في هذا الإطار، وينبغي أن لا تلتفت الجهاد وباقي فصائل المقاومة للانتقادات المثبّطة للعزائم ولتستعدّ للجولات القادمة، والحربُ سجال، والأرض يرثها عبادُ الله الصالحون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!