الرأي

الحاجة إلى مناظرات بين “الخمسة”

حسان زهار
  • 1140
  • 11
ح.م

بينما تدخل انتخابات 12/12 مرحلة الحسم، يظل معظم الشعب الجزائري تائها، بين الرفض والمشاركة، لأسباب كثيرة ومتعددة.

الرافضون للانتخابات تائهون في كيفية إيجاد بديل موضوعي عن الانتخابات، وتائهون في كيفية “تعطيل” هذه الانتخابات.

أما المؤيدون لهذه الانتخابات، الذين قرروا المشاركة فيها، فتائهون أيضا في اختيار المرشح الجيد بين “الخمسة”، تائهون في كيفية حل معادلة انتخاب “الأفضل”، طالما أن الاختيارات محدودة، والفوارق بين البرامج والتوجهات تكاد تكون منعدمة.

وإذا ما تجاوزنا حالة الضياع والتيهان للرافضين الذين تناولناه كثيرا من قبل، فإن حالة الضياع التي يعاني منها أنصار الانتخابات، ليست أقل حدة، خاصة فيما يتعلق بمعرفة مشاريع وبرامج المرشحين، ومحددات إيجاد “الفروق الجوهرية” بينهم، في ظل استمرار الظهور الاعلامي الفردي، والحوارات الاعلامية المنفصلة، الشبيهة بالمونولوغ، حيث تغيب الفكرة والفكرة المضادة لها.

ولذلك وجب التنويه الى أهمية إقامة مناظرات تلفزيونية، يشاهدها الشعب كله، بين المترشحين الخمسة، وأن تكون تلك المناظرات مباشرة، ويديرها اعلاميون مخضرمون غير منحازين لجهة ضد جهة، حتى يمكن للناخب المؤمن بجدوى الانتخابات كحل للأزمة، أن يشكل قناعة “انتخابية”، تمنعه يوم الانتخابات أن يضع ورقة بيضاء في الصندوق.

هذا أمر بالغ الحيوية، لإضفاء مزيد من المصداقية والشفافية على انتخابات تواجه اليوم معضلة التشكيك من جهات وأطراف كثيرة، واتهامات بالتزوير المسبق، لا بد من مواجهتها بأقصى أنواع الشفافية، ليس داخل الصندوق فقط، وإنما أثناء الحملة الانتخابية، وعمليات الترويج الإعلامي أيضا.

لقد نظمنا في الجزائر، الكثير من المواعيد الانتخابية الرئاسية، من رئاسيات 1995 إلى غاية رئاسيات 2014، ولم نشهد خلال كل تلك المواعيد، مناظرة واحدة وضعت “مرشح السلطة” على قدم المساواة مع مرشحين آخرين، فقد كان ذلك يعد “عيبا”، ويمس بكرامة مترشح فائز مسبقا، عينته “العلبة السوداء” وانتهى الأمر.

خمس محطات رئاسية سابقة، مضت كلها دون الحاجة إلى معرفة برامج المترشحين، فقد كان الشعب مجرد تفصيل في العملية الانتخابية، يتم استدعاءه فقط بعد اختيار الرئيس من أصحاب القرار، ليقوم بالتوقيع على المهزلة.

التزوير قبل ان يكون في الصناديق، كان في رفض طرح المشاريع والبرامج على الشعب، كان في التدليس على الناخب ببرامج وهمية، بدليل أن “برنامج فخامته”، الذي اعتبر طوال أربع عهدات كاملة بمثابة قرآن مقدس، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تبين أنه برنامج فارغ، لم يقرأه أحد، بمن فيهم من كانوا يطبلون له طوال عشرين سنة.

التزوير كان عبر رفض فكرة المناظرات من أصله، حتى أنه تم تصوير الأمر على أنه تقليد “وثني” لا ينبغي لأبناء “الملة” أن يقعوا في محظور مثله.

الآن يجب لمن يترشح لمنصب الرئاسة أن يقنع الشعب ببرنامجه وأفكاره، بكلامه وطريقة حديثه، بتحليله للأمور وكيفية الخروج من الأزمات المتعددة التي تواجه البلاد، ولن يتأتى معرفة ذلك إلا عبر المناظرات التلفزيونية، التي تكشف وزن كل مترشح، في مواجهة المنافسين الآخرين.

نقول هذا ليس لكي نعزي أنفسنا، في ضياع حلم امتلاك مرشح في مستوى “قيس سعيّد” التونسي، الذي هزم منافسه في مناظرة تلفزيونية كبيرة، وكانت سببا في اكتساحه نتائج الانتخابات، وإنما لنكرس تقاليد جديدة قد تساعدنا في أن نخطو الخطوات الأولى في عالم الديمقراطية الذي حرمنا منه زمنا طويلا.

لنترك الشعب يختار رئيسه على بصيرة، وأولى خطوات المعرفة تلك، حقه في أن يكتشف الوجه الحقيقي للمرشحين، بلا محسنات بديعية ولا ما كياج.

مقالات ذات صلة