-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
على ضفاف القرآن والسنّة

الحرية فطرية في الإنسان والناس فيها متساوون

الحرية فطرية في الإنسان والناس فيها متساوون
الأرشيف

ونعني بذلك أن الناس يولدون وحب الحرية والانعتاق من الأغلال والقيود مركوز في أصل جبلتهم وليس أمرا مكتسبا، بل لا منة فيه لأحد من الخلق، ولذلك قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: “مُذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.

فكرامة الإنسان وحريته هي أصله وهي الأصل فيه، وهذا هو المعنى الذي ما فتئ العلماء والمفكرون ينصون عليه ويعبرون عنه، كل بطريقته وعبارته، ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948م عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكرر ويقرر هذا المعنى في مادته الأولى التي تقول: “يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق”.

وقد قرر هذا المعنى أحسن تقرير، العلامة ابن عاشور؛ فهو بعد أن خلص إلى أن لفظ الحرية في كلام العرب جاء على معنيين، أحدهما: ضد العبودية، وهو أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفا غير متوقف على رضا أحد آخر، والثاني: هو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض، يخلص إلى أن كلا هذين المعنيين للحرية جاء مرادا للشريعة إذ كلاهما ناشئ عن الفطرة.

وبحكم هذا الأمر الغريزي في الإنسان فلا ينبغي أن يفرض أي قيد على حريته إلا في الحدود التي تجلب له مصلحة راجحة، أو تدفع عنه مفسدة محققة.

والمتأمل في قصة خلق آدم كما ذكرها القرآن الكريم يجد أن الحرية ولدت بميلاد الإنسان، ثم تابعت رحلتها معه على هذه الأرض، فقصة الإنسانية هي قصة الحرية وكفاحها، لم تتغير ولم تتبدل، منذ فجر التاريخ إلى اليوم.

وقد ألف الأستاذ محمد زكي عبد القادر كتابا استقرأ فيه ما قالته الأمم والشعوب عن الحرية منذ قرون خلت على اختلاف لغاتها وعرقياتها، خلص فيه إلى أن كل تلك الأمم والشعوب متفقة على عشق الحرية، وبذل مهج الأكباد في سبيلها.

وفي هذا دليل على أن الحرية والكرامة الإنسانية ليستا شيئين ينموان بنمو الإنسان، ولكنهما شيئان ولدا معه وأحس بهما، وكافح من أجلهما، وأراق دمه في سبيلهما، قد يتطور مدلولهما ويتقدم ويتسع، وقد يتخذ أشكالا متعددة، ولكنهما من حيث الجوهر باقيان خالدان.

ولما كان هذا الأصل مقررا في الشريعة، فإنّ الذي يملك سلطة تقييد حريات الناس أو التحجير عليها هو الله وحده، وإذا مارس هذا الحق بعض من خلقه كالحكام والقضاة وغيرهم فإن ذلك يجب أن يتم ضمن الحدود التي يجيزها صاحب الحق الأصلي، وإلا اعتبر نوعا من الظلم المحرم.

وجعل أبو حنيفة -رحمه الله- حرية الإنسان مقدمة على المال، عندما منع الحجر على السفيه إذا بلغ، لأن الحجر عليه هو إهدار لكرامته وإنسانيته وإلحاقه بالصبيان والمجانين والبهائم، وهو ضرر يفوق الضرر بالمال.

وهذا كله يدخل ضمن تكريم الله للإنسان، ولا تتحقق كرامته إلا بمنحه حريته، التي تكمل معنى سيادته في الكون وتحميله وظيفته ومسؤوليته الكبرى، إذ لا سيادة إلا بحرية، لأن السيادة تقتضي إطلاق قواه الظاهرة والباطنة في الاستكشاف والاستخلاف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Marjolaine

    والدليل أن الحرية تولد مع الإنسان الحديث القدسي:
    " إني خلقت عبادي حنفاء كلهم على الفطرة وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم"
    وقوله تعالى في كتابه العزيز:
    " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله "
    وقوله صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"
    ونلاحظ هنا أن الفطرة هي السجية الخالصة الصافية التي لا يخالطها شيء.
    وبالنسبة لي أراه أكثر شيء مطابق للحرية.
    بمعنى أنه لم يتأثر بأي عامل خارجي يوجه شخصيته وحريته.

  • Marjolaine

    ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لايقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله رب العالمين، وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا ياتي بخير هل يستوي هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم "
    عفوا ، إختلطت علي الآيتين

  • Marjolaine

    "أحدهما: ضد العبودية، وهو أن يكون تصرف الشخص العاقل في شؤونه بالأصالة تصرفا غير متوقف على رضا أحد آخر، والثاني: هو تمكن الشخص من التصرف في نفسه وشؤونه كما يشاء دون معارض، يخلص إلى أن كلا هذين المعنيين للحرية جاء مرادا للشريعة إذ كلاهما ناشئ عن الفطرة"
    بناء على هذا نجد أن الله يفضل الإنسان الحر الفاعل المؤثر لا التابع المتأثر لقوله تعالى:
    " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَل(أي عالة) على مولاه أينما يوجهه لا ياتي بخير، هل يستوي هو ومن يامر بالعدل وهو على صراط مستقيم "