-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحكومة ومفاجأة العام الجديد

بشير مصيطفى
  • 4794
  • 5
الحكومة ومفاجأة العام الجديد

قررت الحكومة، بداية الأسبوع، تعليق (لأجل) العمل بنظام التعريفة الجمركية والرسم على القيمة المضافة وعلى أرباح الشركات في نشاط تجارة السكر والزيت، مما يعني سماحا جبائيا قدره 41 بالمائة.

  • وفي نفس الوقت جدّدت الحكومة دعوتها لتجار الجملة والتجزئة في تجارة المواد الغذائية باحترام سقف الأسعار المحدد قانونا، بينما تراجعت لهجة التلويح بالعقوبات التي اعتمدتها السلطات عند بداية أزمة ارتفاع الأسعار لصالح التشاور والتهدئة. خطوة مهمة من منظور السياسات، لأنها تضمنت تدخلا قويا من طرف الحكومة ولو على حساب الخزينة ولكنها ساهمت بشكل لافت في تهدئة الرأي العام من جهة بعد أيام من الاحتجاجات المعبرة عن بعض انشغالات الشباب، إضافة الى شريحة واسعة من متوسطي ومنعدمي الدخل، وفي ضمان مصالح تجار أوسع المواد الغذائية استهلاكا.
  • فماذا يعني أن تستجيب السلطات وبسرعة لاحتجاجات الجبهة الاجتماعية؟ وهل يكفي نمط الاستجابة بالإجراءات الاستعجالية لتحقيق توازن الأسواق ومن ثمة استقرار القدرة الشرائية للمواطنين؟
  • عنصر المفاجأة الذي أربك الحكومة
  • قالت السلطات التجارية في البلاد إنها تفاجأت بالارتفاع الكبير في أسعار مواد الزيت والسكر والقمح الليّن، مما يعني أن قوة تكون تشكلت داخل السوق تضاهي أو تسابق أو تتفوق على قدرة الحكومة على المراقبة والتوقع، وبالفعل مكنت مرحلة التحول التي مر بها الاقتصاد الوطني من تحويل التجارة من احتكار الدولة الى احتكار القطاع الخاص وذلك لسبب بسيط وهو نمط التحول المذكور الذي كان تحت ضغط صندوق النقد الدولي والشركات الأجنبية من جهة ولم يكن مدعما بآليات تشريعية فعالة مكافحة للاحتكار، والنتيجة هي تشكل مركز قرار مواز لمراكز القرار الرسمية ولمركز قرار السوق الخاضع لقانون العرض والطلب، أي تشكل مركز قرار احتكاري ذي نفوذ وقدرة على التحالف وهو نفسه المركز الذي ساهم بفعل امتداداته داخل قطاع الأعمال الى تشكيل (برجوازية صغيرة) دون عبور مراحل تشكيل البرجوازيات التي عرفتها المجتمعات القائمة على الحرية الاقتصادية. إن قوة بهذا النفوذ يمكنها إحداث المفاجأة في أية لحظة عندما تتفاجأ هي الأخرى بقرارات تضر بمصالحها الاحتكارية كتلك التي أحدثتها النسب الجديدة في الرسوم الجبائية المتضمنة في قانون المالية 2011 أو إجراءات ترسيم السوق الموازية أي الدفع بالصك والتعامل بالفواتير أو لهجة العقوبات التي سرّعت من رد فعل التحدي لدى تجار الجملة والذي أثمر – فعلا – تأثيرا مباشرا وقويا وسريعا ومفاجئا.
  • الفكرة الجيدة لا تكفي
  • ترسيم قطاع تجاري مواز وترسيم معاملات تجارية غير قانونية حجمها 40 بالمائة من حجم السوق فكرة جيّدة لتثمين الجباية العادية ومراقبة الكتلة النقدية واستعادة ما قدره 25 مليار دينار كتهرب ضريبي سنوي، ودعم دور المصارف كوسيط للدفع في معاملات تجارية هائلة لأنها تقابل سوقا استهلاكية واسعة حجمها 35 مليون نسمة، ولكن عندما تلقى الفكرة الجيدة مقاومة من بيئة تجارية غير سليمة وذات نفوذ تصبح فكرة غير ناجعة، وربما كان من الأنجع أمام الحكومة أن تدرس سيناريوهات تلك المقاومة عند اتخاذ أي إجراء يمس بمصالح محددة، ويبدو أن السلطات تكون أساءت تقدير قوة ونفوذ الشكل الاحتكاري للسوق الوطنية مما يفسر عنصر المفاجأة الذي عبّرت عنه عند بداية الأحداث وهو ما يفسر أيضا جانبا من التصريحات الرسمية والمتعجلة والتي نفت عزم الحكومة على مكافحة الأسواق الموازية.
  • حقيقة أن السبيل الأنجع لتطبيق سياسة معينة هو ذلك السبيل المبني على التشاور كمبدإ يختصر الطريق الى احتواء العوامل التي قد تقاوم السياسات مثلما هو الحال في تشكيلة الأسعار في السوق الوطنية. إن تشكيلة الأسعار في السوق الوطنية تعاني من عامل مهم هو المعاملات التجارية المتمردة على القانون، أي قانون المنافسة ساري المفعول، أما التمرد نفسه فيعود الى منظومة الجباية التي مازالت تشكل العدو رقم واحد لكل من التاجر والموظف والعاطل عن العمل، وفي حين يمتثل الموظف للضريبة على الدخل بفعل طبيعة الاقتطاع عند المصدر، يجد التاجر فرصة سانحة للتهرب عن طريق مخالفة التشريع والتعامل بغير الوثائق التي يمكن أن تكون وثائق محاسبية، أي الصك والفاتورة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا تبادر الحكومة إلى تطوير نظام الجباية حتى لا تظل عبئا حقيقيا على التجارة؟ وهل تعتبر النسب الجبائية الحالية نسبا مناسبة لتطور وتطوير الاقتصاد الوطني؟ وإلى أي حد تشكل الجباية العادية دعامة مالية للخزينة؟ ولماذا لا يظهر أثر الأداء الجبائي في تحسين الخدمات الممكن أن يتمتع بها التجار والمنتجون، كما هو الشأن في الدول التي تستخدم جزءاً من الاقتطاعات الجبائية في تحسين مناخ الأعمال؟ أليس من الأنجع تخفيف الأعباء الضريبية بالشكل الذي يضمن التحصيل الجبائي على المكلفين ويستحدث طرقا أذكى لتشجيع هؤلاء المكلفين على الامتثال للقانون الجبائي؟
  • إن تجربة أحداث الجزائر الأخيرة أثبتت أن التخفيف الجبائي ناجع إلى حد بعيد إلى الدرجة التي دفعت بالحكومة إلى الاستغناء عن 41 بالمائة من نسبة الضريبة على التجارة ولكن لماذا جاء التخفيف مؤقتا وبصيغة التعليق لا التعديل؟
  • نحو آليات جديدة للاستشعار والاستشراف
  • تطبق الولايات المتحدة الأمريكية – وهي من أقوى الدول استقرارا في أسواق السلع – مبدأ التخفيف الضريبي بشكل استراتيجي في كل الحملات الانتخابية وسياسات الأحزاب وخطط الحكومة، وتفعل ذلك بناء على بيانات الأثر الضريبي في توازن السوق، يعاونها في ذلك فريق من الخبراء أداتهم الدراسة والاستشراف وحساب النتائج المتوقعة عن ذلك. أما إجراءات الحكومة في الجزائر فتأتي في سياق إجراءات التهدئة ـ كما حصل في الأردن الثلاثاء الماضي عندما تبنّت الحكومة قرار خفض أسعار المواد الغذائية على الرغم من الهشاشة المالية للاقتصاد الأردني ـ ولا علاقة لها بالسياسات التي يفترض أن تكون حاسمة وبعيدة المدى. وليس مطلوبا من الحكومة ـ الآن ـ أن تعمم الإجراءات المتخذة على المدى البعيد لسبب بسيط وهو أنها تجهل فعلا الأثر على توازن نظام الجباية وعلى الخزينة على خلفية غياب الدراسات، إلى جانب كون تلك الاجراءات استثنائية في سياق التقنين المالي للدولة مادامت أنها غير معتمدة في قانون المالية 2011 ولم تستكمل البناء الاجرائي فيما له علاقة بالتشريع. حالة شبيهة بحالة الفراغ القانوني تستدعي إطلاق هيئات مختصة في دراسات الاقتصاد الكلي والسياسات الاقتصادية والاستشراف أسوة بوزارة التخطيط والاستشراف التي كان استحداثها خطوة مهمة في هذا الاتجاه لولا أنها مازالت عالقة في مسابقات توظيف كوادرها بعد 9 أشهر من تعيين المسؤول الأول عنها، مدة من الوقت كان يمكن استغلالها في رصد اتجاهات أسواق وبورصات الغذاء في العالم ودراسة محددات العرض في السوق الوطنية حتى لا تفاجأ الحكومة بطفرة الأسعار مثلما يتفاجأ الناس بزلازل وفيضانات وكوارث لا تخطر على بال وربما تؤدي الى المشهد الهاييتي عندما تكون الدولة في حالة من الضعف السياسي والمؤسساتي.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • aek

    تحليل رائع متعلق انت والله, شكرا, وهكذا تصتع الازمات وهكذا تمر بدون اي خوف او وجل او حتي تقوي, فمسل هذه الظروف التي مرت ببلدنا الكريم دلت علي اشياء منها :
    1- في اي دولة او رجال يحترمون انفسهم وغيرهم لكانت استقالات (بالجملة او بتجزئة) لكن هنا .....
    2- عقلية انا الكل وانا الفاهم لازلت قائمة
    3- لادراسات و لااستراتجيات بعيدة المدي ... عفوا الكل و غير هذا موجود ان تعلق الامر بالكرسي
    4- الرشوة تفشت و-( مستدامة) هل................
    شكرا علي كل حال

  • Alios

    متى تنشرون تعليقي _ هام جدا?

  • ahmed

    السلام عليكم
    تحية طيبة إلى البروفيسورالبشيرالخبير الذي ينير نا بمعلومات علمية دقيقة
    خاصة عقب الأحداث الأليمة التي عاشتها مناطق من وطننا العزيز الجزائر التي خرج منها الفرنسيون يبكون لأنهم فقدوا الفردوس كما يقال.
    ندعو البشير أن يطالب بوضع لجنة من الخبراء في الأقتصاد
    لها صلاحيات التدخل في شؤون التجارة والأقتصاد لبلدنا العزيزبصفة استعجالية ويكون على رأسها البشير مصيطفى .
    البلد محتاج إلى أمثال البشير لاليكتب فقط وهذا مهم ولكن أن يكون له سلطة القرار.
    اسمحوا لي أن أقول لماذا لا يتخذ البشير وأمثاله كما اتخذ سيدنا يوسف الأمين لتسيير اقتصاد مصروأخرج مصر من أزمة كبيرة .والعلماء ورثة الأنبياء كما يقال .
    أنا لاأقول هذا عن عاطفة .فلقد استمعت إلى عدة تصريحات بخصوص ماحدث ولم أجد مايريح مثل ماقاله الخبير البشير.
    وفقنا الله لعمل الخير وخير العمل.

  • soheib

    السلام عليكم

    القوة الكبيرة الموازية والتي تشكلت داخل السوق بل داخل الجزائر وفي كل المجالات هي قوة الفساد تشابك المصالح بين التجار والادارة.
    في دولة كان فيها الشعب يعيش اشتراكية مفرطة ثم تتحول الى راسمالية متوحشة فان سلطة المال ستطغى ولن يقاوم الفرد الجزائري سواءا كان حرا او اداريا تابعا للدولة تاثيراته لانه لم يكن مهيا لا تقنيا ولا نفسيا للتاقلم مع نظام سياسي جديد تاثيراته الاجتماعية كبيرة جدا وحتى الشعوب الغربية التي ولد فيها هدا النظام بدات تعاني منه واغلبها على حافة الانهيار.

    وفي دولة مثل الجزائر يغيب فيها الشعب في تسيير شؤون الدولة والمراقبة فان الفساد سيعم اكثر ولن تنفع لا النظريات الامريكية الجديدة ولا اي شيئ في تحسين ظروف معيشة هدا الشعب.

  • alijati

    Bravo mr Msitfa