-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في صحبة موسى والخضر

الخوارق من مشيئة الخالق

أبو جرة سلطاني
  • 553
  • 2
الخوارق من مشيئة الخالق

الأسباب مسخّرة بقدرة خالقها -جل جلاله-، فهو خارقها: يجريها كما يشاء ويرسيها متى يشاء ويتولّى كشفها أو إخفاءها وإجراءها أو تعطيلها بحكمته في كونه كما يريد، ولا يترك أبدا أمر التّحكّم فيها واستغلالها لمن وهبها له حتّى لو كان رسولا نبيّا، فعصا موسى لا تعمل إلاّ بأمر الله: ((وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا)) (طه: 69)، فجريان الآيات لا يتمّ إلاّ بأمر الله حتّى لا يظنّن أحدٌ أنه يملك شيئًا مع الله، وهو ما أكّده عيسى -عليه السّلام- لبني إسرائيل بالقول الواضح الصّريح: ((أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)) (آل عمران: 49)؛ كلّ ما جاءهم به من معجزات كانت تجري بأمر الله وإذنه، فليس لعيسى -عليه السّلام- من أمر الله إلاّ إنفاذ أمره بإذنه، وقل مثل ذلك عن كلّ رسول أيّده الله بمعجزة؛ فصالح -عليه السّلام- لم يخرج لقومه ناقة من سخر وإنما أخرجها الله، وعصا موسى لم تفلق البحر بقوّة ساعد حاملها وإنما فلقته بأمر خالقها.. وهكذا سائر المعجزات.

ما فعله الخضر-رضي الله عنه- لم يكن معجزة ولا كرامة، إنّما كان تصرّفا مناقضا لشريعة موسى -عليه السّلام-، لذلك لم يتمالك نفسه أمام ما رأى من تصرّف مريب ظاهره فظيع منكر، ولو صبر لتعلّم أكثر ولتعلّمنا من تلك الصّحبة الكثير. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- قال: “وددْنا أنّ موسى لكان صبر حتّى يقصّ الله علينا من خبرهما”، وفي رواية البخاري عن سفيان بن عيينة إضافات مهمّة تفيد بأنّ عجلة موسى -عليه السّلام- فوّتت خيرا عميما: “فلولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته ذمامة من صاحبه” (رواه مسلم عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه)، وفي لفظ أحمد: “يرحم الله موسى، لوددت أنه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما”، وفي لفظ: “رحمنا الله، ورحم أخي موسى لو صبر لعرفنا الكثير”. لكنّ موسى -عليه السّلام- كان رسولا مأمورا بأنْ يغيّر ما تراه عيناه من منكر، ويصدر أحكامه على ظاهر ما يرى ويسمع، ويشهد بما يعلم ولا يؤخر بيان الحقّ عن وقت الحاجة بذريعة أنه محكوم بعقد سابق، لذلك لم يصبر على ما رأى، وتسبّب في قطع الصّحبة لعجزه عن إدراك كنْه العلم اللّدنّي، واكتفى بثلاثة دروس قيّمة عميقة.

فلنمض الآن مع مشاهد القصّة في صحبة موسى -عليه السّلام- والخضر-رضي الله عنه- لنقتبس من أنوارهما دروسًا دعويّة وتربويّة في الصّبر وفي آداب طلب العلم وفي فقه المقاصد والنّوازل والمآل وتقدير المصلحة، من دون الغوْص في خفايا “الكشْف”؛ فحسبنا أنّ موسى -عليه السّلام- لم يطلب من الخضر تعليمه الذّوْق ولا تدريبه على “علم الكشْف” أو إطْلاعه على أسرار الاستغراق في سبُحات “أنوار القيّوميّة”، وإنما سأله الزّيادة في علم الرّشاد وارتشاف شيء مما علمه الله رشْدا. ومن دقّة نظم ألفاظ القرآن الكريم وتكامل معانيه في مفهوم “الوحدة الإيمانيّة” أنّ لفظ “رشد” واشتقاقاته اللّغوية ومعانيه المجازيّة تكرّر تسع عشرة مرّة، لم تأتِ -في القرآن الكريم كلّه- إشارة واحدة إلى “علم الكشْف” وإنما دارت كلّها حول معاني بلوغ الكمال البشري قمّته في التّفكير والتّدبير والحكمة، وفي النّضج العقلي وحسْن التّصرّف في الشّأن العام وفي مجال الدّعوة والبلاغ والبيان وفي خلطة النّاس ولباقة التّعامل معهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • طارق بن رحال

    الرجل الخارق هو حلم الإنسان الاول الذي تحول لاسطورة ، حلم بالقوة المطلقة و الشباب الدائم و الخلود.

  • لزهر

    شرح الخضر لموسى عليه السلام أنه لِكل رجل مقام و لكل مقام المزايا موسى في مقام العلم و الخضر في مقام الحكمة و المعرفة في التصرفات. و هذا الحوار هو حوار كلمات بالمعنى دون المعنى الحقيقي لها و في كل مرة هي محاولة كشف المستور بين أيدي الناس و في الناس شرُّ لو بَدا ما تعاشرُوا. و لاكن كساه الله ثوبَ غِطاءِ. أبو العتاهية.