الرأي

الخياط الماهر لا يقص كثيرا

محمد سليم قلالة
  • 2736
  • 8

يبدو أن ما يحدث من تغييرات في الجزائر في المدة الأخيرة ليس أمرا عابرا له علاقة بمستقبل فئة من الفئات أو مجموعة من المجموعات كما يعتقد البعض، إنما هو أمر استراتيجي له علاقة بمستقبل البلاد برمتها. ومادام الأمر استراتيجيا ويتعلق بالمستقبل ينبغي أن يقوم به “خياطون” مهرة حتى لا يكثروا القص والتقطيع على حد قول “لاو تسو” الحكيم الصيني: الخياط الماهر لا يُكثر القص. أي ينبغي لصورة جزائر المستقبل أن تكون واضحة كل الوضوح في أذهاننا على الأقل خلال ربع القرن القادم من حيث الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي وفاعلية النظام السياسي قبل الشروع في عملية “التفصيل”. وهذا “التفصيل” الجديد لجزائر الغد ينبغي ألا يكون على مقاس هذا أو ذاك، إنما على مقاس كل الجزائريين بما في ذلك أولئك الذين يقال عنهم الفئات الشعبية إن لم يكونوا هم الأساس.

إننا نتصور أن الإصلاح الشامل ليس مهمة فرد واحد أو مجموعة من الأفراد مهما أوتيت من قوة وذكاء، إنما هو مهمة كل القوى الوطنية ذات القدرة على المساهمة فيه إن بالرأي أو بالتحليل أو بتقديم البدائل لحل المشكلات.

هل حدث ذلك؟ هل تم اعتماد المبدأ القائل أن أساس نجاح أية إستراتجية هو تبينها من قبل الذين ستطبق عليهم، أي قبولها أولا، والتفاعل معها ثانيا، والدفاع عنها ثالثا؟ هل ما يجري اليوم يتم وفق المنهج العلمي في التغيير؟ أم أنه يقوم على افتراض غالبا ما يكون خاطئا يقول: أن الشعب ينبغي أن يُقاد، وعلى مجموعة من الفاعلين أن تُبادر إلى الأخذ بيده إلى بر الأمان. وفي  آخر المطاف سيقبل الاختيار…

يبدو لي أنه ينبغي ألا نخلط بين دور فاعلين رئيسيين في رسم معالم المستقبل، ودور المجتمع بجميع مكوناته في القيام بذلك. قد يكون هؤلاء الفاعلون على صواب ولكنهم أيضا قد يكونون على خطأ ولو في بعض التفاصيل، وفي الحالة الثانية سنضطر إلى التراجع عن كل السياسة بعد حين. وهذا الذي ينبغي ألا يحدث، خاصة وأن الوقت اليوم مازال بين أيدينا، للقيام بعملية تشاركية جماعية غير مرتبطة بمصير هذا أو ذاك، في رسم رؤية لجزائر الغد نستبق من خلالها ما يمكن أن يحدث من مشكلات قبل حدوثها، ونرسم مستقبل بلدنا لكي تعيش آمنة قوية في القرن الحادي والعشرين.

 

وأفضل بديل أن يتحول الإصلاح من أسلوب القص والتقطيع المستمر الذي يُدخل الإصلاح ضمن العمل التكتيكي المرتبط بغايات محدودة، إلى إستراتيجية القص مرة واحدة، على طريقة الخياط الماهر، التي تنم عن وضوح في الرؤية وتمنع سقوط الكثير من القطع غير المستعملة على الأرض دون أن تكون لأي كان القدرة على استعادتها مرة أخرى.

مقالات ذات صلة