الرأي

الدّعاء بالفناء على مكتشفي لقاح كورونا!

سلطان بركاني
  • 5552
  • 24
رويترز
زجاجات صغيرة مكتوب عليها لقاح كوفيد-19 في صورة توضيحية بتاريخ 10 أفريل 2020

يتداول بعض الشّباب النّاقمين على وضع الأمّة، في الآونة الأخيرة، عبارة مثيرة للإعجاب في مبناها، جائرة في معناها، مفادها أنّ المسلمين ينتظرون من الكافرين أن يكتشفوا لهم لقاحا ينقذهم من وباء كورونا، وفي الوقت ذاته يطالبون بفتح المساجد ليدعوا فيها على الكافرين بأن يجمّد الله الدّماء في عروقهم! ويقصدون بهذا أنّ الأمّة ما دامت تنتظر من الكافرين أن ينقذوها من الفناء! فلا يحقّ لها أن تدعو عليهم، إنّما الواجب عليها أن تدعو وتظلّ ممتنّة لهم.

الحقّ يقال إنّ هذه العبارة مهما بدت قاسية، ومهما كان أكثر من يتناقلونها هم –مع كلّ أسف- من القابعين على أرصفة الحياة، ممّن لا هُم في العير ولا في النّفير؛ لا هم سعوا في طلب العلم التجريبيّ الذي ينتشل الأمّة من تبعيتها وتخلّفها، ولا هم انتصروا لدينهم وقضايا أمّتهم، وغالبهم ممّن تشرّبوا شقشقات الفكر العلمانيّ الذي يصرّ على إلصاق تخلّف الأمّة العربية والإسلامية بل ومشكلات العالم كلّها بالدّين الإسلاميّ دون غيره من الأديان والديانات؛ مهما كان هذا هو واقع غالب من يتناقلون تلك العبارة، فإنّنا ينبغي أن نلتمس لهم بعض العذر وننظر إلى كلماتهم القاسية على أنّ مبعثها النقمة المتنامية على واقع الأمّة المرير الذي احتلّت فيه الدّول العربية ذيل ترتيب دول العالم في شتّى المجالات ذات الصّلة بالعلم والبحث والتطوّر، وليس التناغم مع السّمفونية العلمانية السّاخرة من كلّ ما له علاقة بالدّين.

هؤلاء الشّباب ينبغي لهم أن يعلموا ابتداءً أنّ المسلمين الذين يعرفون دينهم، يدعون على الظّالمين سواء كانوا كفارا أم مسلمين، والظّلم مُدان في كلّ الأديان والشّرائع والقوانين، والمظلوم معذور في تظلّمه عند كلّ العقلاء؛ فهل يُلام المسلمون الذين رأوا من الظّلم في هذا الزّمان ما لم تره أمّة من الأمم، في توجّعهم ودعائهم على الصهاينة المحتلين والأمريكان الغاصبين والروس المعتدين، فقط لأنّ هؤلاء ينتظر منهم أن يجدوا لقاحا ضدّ وباء كورونا؟ وهل من العقل والعدل أن يطالَب المسلمون المستضعفون الذين جُرّدوا من وسائل البحث وأدواته، باختراع لقاح ضدّ الوباء قبل الدّعاء على الظّالمين؟

إذا كان تخلّف كثير من الدول النصرانية في أفريقيا وآسيا ليس سببه النصرانية، فمن باب أولى أن لا يكون الإسلام سببا لتخلف المسلمين، وكلّ ذي عينين يقرّ بأنّ سبب تخلّف الدّول العربية وأكثر الدول الإسلامية هو الأنظمة المتحكمة في الأقطار الإسلامية منذ سقوط آخر خلافة جمعت المسلمين؛ هذه الأنظمة التي حاربت العلماء والمبدعين، واضطرتهم إلى الهجرة، وحولت بلدان المسلمين إلى أسواق مفتوحة لما ينتجه الآخرون، وعلماء الأمّة الذين تشرئب إليهم الأعناق ظلّوا طوال العقود التي أعقبت تفكك كيان المسلمين ينادون بضرورة أن يستعيد المسلمون زمام المبادرة، ويُفتون بوجوب تسخير الأموال والطّاقات والجهود لتطوير البحث العلميّ، والكفّ عن إنفاق أموال الأمّة في التفاهات، ويطالبون بإكرام العلماء والباحثين وتوفير الظّروف المواتية لعودة من هاجر منهم، ولعلّه تكفي –في هذا الصّدد- العودة إلى ما كتبه القرضاوي والغزالي، وما سطره مالك بن نبي وعبد الوهاب المسيري وأبو الأعلى المودودي، وغيرهم من العلماء والمفكّرين في التأصيل لنهضة الأمّة، بل حتى بعض “العلماء والدّعاة التقليديين” الذين يُحمّلون تبعات تخلّف الأمّة، وبرغم بعض الفتاوى الشّاذّة التي أطلقوها ولقيت الاستنكار من عامّة المسلمين وخاصّتهم، لم يسجّل عنهم أنّهم حرّموا البحث العلميّ أو الاستفادة من العلوم النّافعة، وها هي دول الخليج التي يُنظر إليها على أنّها تستند في بعض سياساتها إلى فتاوى هؤلاء العلماء التقليديين، برغم تصنيفها ضمن دول العالم الثالث، وتخلّفها عن اللّحاق بركب الدول المتقدّمة، إلا أنّها تتفوّق على باقي الدول العربية في أكثر الميادين ذات الصّلة بالعلم التجريبي؛ فهذه مثلا دولة قطر، تحتلّ المرتبة 18 عالميا على مؤشّر جودة نظام الرعاية الصحية، وتحتلّ السعودية المرتبة 58 على ذات المؤشّر، كما تحتل قطر المرتبة 9 عالميا على مؤشّر جودة النظام التعليمي، وتحتلّ السّعودية المرتبة 41 في الإنفاق على البحث العلميّ.

أخيرا لعلّه يحسن أن نذكّر شبابنا أنْ لو كان الإسلام سبب تخلّف الأمّة المسلمة، ما سمع العالم بأسماء مئات العلماء المسلمين المعاصرين الذين نبغوا في شتى المجالات العلمية ونافسوا أقرانهم من الغربيين، بل إنّ منهم من أثبت جدارته وتفوّقه على أقرانه في تخصّصه، وكثير منهم الآن في مراكز الأبحاث الغربية، يساهمون في تطوير شتى العلوم، ومنهم من له بصمة واضحة في الأبحاث التي تجري حاليا لأجل إيجاد لقاح مضادّ لفيروس كورونا.

مقالات ذات صلة