-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرياء والسّمعة

سلطان بركاني
  • 2862
  • 0
الرياء والسّمعة

الرياء والاهتمام بنظر النّاس والسّعي فيما يعجبهم ويرضيهم، خلق ذميم، استشرى بين كثير من الجزائريين في السّنوات الأخيرة، في معاملاتهم اليومية، وفي أفراحهم وأحزانهم، إلى الحدّ الذي أصبح معه الواحد منهم لا يكاد يعمل عملا أو يقف موقفا حتى يستشرف ردّة فعل النّاس من حوله؛ لا يهمّه كثيرا أن يرضي الله ويكسب الأجر والثّواب، وإنّما يهمّه أن يتحدّث عنه النّاس بما يسرّه أو على الأقلّ لا يكون موضعا لانتقادهم.

في الأفراح والأعراس، ترى الشابّ المتزوّج لا همّ له إلا أن يكون عرسه وفق ما يروقُ النّاسَ ويعجبهم ولو كان ممّا يسخط الله، فتجده يسمح في ليلة عرسه بالأغاني السّاقطة وباختلاط النّساء مع الرّجال ويرضى بتصوير النّساء من قريباته ومحارمه، ولا يحاول أن يحيد قيد أنملة عمّا ارتضاه النّاس من حوله في أعراسهم، وتجد المرأة تتحاشى كلام النّساء بلبس ما يرينه موضة ولو كان ممّا لا يصلح أن يكون لباسا لامرأة مسلمة، وتختار من الهدايا أغلاها وأثمنها، ليس ابتغاءً للأجر، وإنّما لأجل العيون المترصّدة، وتجد الرّجل يُخرج من جيبه مبلغا معتبرا يضعه في يد العريس، ليس طلبا للثّواب، وإنّما رياءً وسمعة، فكلّما كانت مكانة أسرة العريس أرقى، كان المبلغ المقدّم أكبر وأهمّ!.

في الجنائز والمآتم؛ إذا كان المتوفّى من أصحاب الحظوة والمال، تجد الأقارب والجيران والمعارف يتوافدون على منزله منذ السّاعات الأولى لسماع خبر الوفاة، يقدّمون العون والأموال، وينسلون للصّلاة عليه ودفنه، ويكتظّ بهم المسجد والمقبرة، أمّا إذا كان المتوفّى فقيرا غير ذي شأن بين النّاس، فيقلّ عدد من يصلّون على جنازته ويحضرون دفنه بصورة لافتة، ولا يتقدّم لتعزية ذويه إلا قلّة من النّاس، يبخلون عن أهله بأقلّ وأبسط الإعانات، وهكذا عند البلاء والمرض؛ ترى مظاهر الرّياء واضحة، فلا تكاد تسمع إلا من يقول “سأزور فلانا المريض، حتى لا يعتب عليّ أو يعتب عليّ ابنه أو أخوه أو أبوه، بأنّي لم أزره”، لا أحد يستحضر ثواب عيادة المريض، إلا من رحم الله، بل قد صارت العيادة في المرض، وحضور الجنائز والأفراح دينا بين النّاس، فكثيرا ما تسمع من يقول: “فلان لم يهنّئني بعرسي، فلن أحضر عرسه، وفلان لم يعدني في مرضي فلن أعود ابنه أو أخاه أو أباه المريض، وفلان حضر جنازة أبي، فمن العيب أن أتأخّر عن حضور جنازة أبيه”!. بل قد طالت هذه الآفة؛ آفة الرياء، عبادات يُفترض أن تكون خالصة لوجه الله سبحانه؛ حتى صرنا نسمع عمّن يصلّي الجمعة ويترك الصّلاة في باقي الأيام، فرارا من لوم النّاس وعتابهم، ونسمع ونرى من يصلّي في رمضان ويحضر التّراويح رياءً وسمعة، وسمعنا بمن يحضر الصّلاة على الجنازة إذا كانت لقريب أو جار، مع أنّه في الأصل لا يصلّي! بل سمعنا بمن حجّ واعتمر وهو لا يصلّي، وما أن عاد من البقاع المقدّسة حتى عاد إلى ترك الصّلاة.. المهمّ بالنّسبة إليه أنّه حجّ أو اعتمر ليتخلّص من عتاب أقاربه وأصحابه.

إنّه داء دويّ ما يزداد إلا انتشارا بين النّاس مع مرور السّنوات، حتى عزّ أن ترى من يعمل ويعامل النّاس من حوله ابتغاء وجه الله، ولا شكّ أنّ حصاد هذا الدّاء وخيم في الدّنيا والآخرة، عندما تطغى المجاملات وتصبح المعاملة بين النّاس مبنية على مبدأ “خذ وهات”.. هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة فالحصاد هو حسرات يجنيها المراؤون يوم يجدون أعمالهم كلّها قد أصبحت هباءً منثورا، لأنّها لم تكن لوجه الله، ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا))، ويوم يؤمرون بطلب أجورهم عند من كانوا يراؤون في الدّنيا، فيندمون ساعة لا ينفع النّدم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!