-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السحر‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ينقلب‭ ‬على‭ ‬الساحر‭ ‬الأمريكي‭!‬

فيصل القاسم
  • 13325
  • 8
السحر‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ينقلب‭ ‬على‭ ‬الساحر‭ ‬الأمريكي‭!‬

كم كان من الأفضل لو أن الموقع أو الصحافي الذي أماط اللثام عن برقيات وزارة الخارجية الأمريكية، وفضح أسرارها ليس موقع ويكي ليكس لصاحبه الأسترالي أسانج، بل موقع أو صحافي من العالم الثالث، أو عالم الجنوب الذي يشتكي دائما من استبداد عالم الشمال بمقدرات المعمورة.

  • لو حصل ذلك لكان انتصارا كبيرا للعولمة بمفهومها الإيجابي، وهو ممكن وإن كان صعبا. فالعولمة الإعلامية ليست طريقا باتجاه واحد كما يريدها أسيادها الأمريكان والأوروبيون، بل يمكن أن تكون مسارا في اتجاهات عديدة بفضل مرونة تكنولوجيا المعلومات، كأن يتفاعل العالم مع بعضه البعض فعلا بدلا من أن يبقى التدفق المعلوماتي من الشمال إلى الجنوب، خاصة إذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تنتج أكثر من خمسة وسبعين بالمئة من المادة الإعلامية التي يستهلكها العالم.
  • صحيح أن الإنترنت اختراع بريطاني أصلا، إذ يعود الفضل في ابتكارها إلى مهندس الكومبيوتر الشهير تيم بيرنرز لي، لكنها غدت أمريكية الطابع بسبب تسيّد الأمريكان للثورة المعلوماتية عالميا، فمعظم مقراتها وبروتوكولاتها وسيرفراتها وبنوك معلوماتها وكومبيوتراتها العملاقة وحتى مفاتيحها في أيد أمريكية على متن إحدى الحاملات. وصحيح أيضا أن كل معاملاتنا على الشبكة العنكبوتية لا بد أن تمر عبر أمريكا من خلال بروتوكول إلكتروني. وصحيح أيضا أن بمقدور الأمريكيين أن يتحكموا بالإنترنت بسهولة بفضل شركاتهم المعلوماتية الرهيبة مثل “ياهو” و”غوغل” و”مايكروسوفت”، فيمنعونها عن بعض البلدان، إلا أن أمريكا بكل جبروتها الإعلامي والإلكتروني لم تستطع أن تواجه صحافيا أستراليا وموقعا إلكترونيا لا تتعدى تكلفة تشغيله سنويا مبلغا زهيدا جدا بلغة الإعلام، إذ يقول المشرفون على موقع “ويكي ليكس” إن موقعهم لا يكلف سوى مئتي ألف دولار في العام أو أكثر قليلا. مع ذلك، فإن الموقع والفرسان القائمين عليه استطاعوا أن يهزوا عرش الولايات المتحدة وكل الدول التي تتعامل معها دبلوماسيا، وذلك من خلال نشر كم هائل من البرقيات التي أرسلها الدبلوماسيون والدبلوماسيات الأمريكيات إلى‭ ‬وزارة‭ ‬خارجيتهم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يخدمون‭ ‬فيها،‭ ‬فأماطوا‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬ملايين‭ ‬الأسرار‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬أحرجت‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.‬
  • صحيح أنني قلت في مقال سابق بعنوان  “سخافات ويكي ليكس ” إن معظم ما نشره الموقع من وثائق تخص العالم العربي لا تعدو كونها نميمة سياسية، وإنها بمجملها تخفي أكثر مما تكشف من مصائب العرب، وإن الأنظمة العربية أسوأ بكثير مما ظهرت من خلال برقيات وزارة الخارجية الأمريكية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الآن‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬أهميتها‭ ‬أبدا،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬طوق‭ ‬مخترعيها‭ ‬وسادتها‭ ‬وموجهيها،‭ ‬ألا‭ ‬وهم‭ ‬الأمريكان‭ ‬لتصبح‭ ‬كابوسا‭ ‬يؤرقهم‭ ‬ويقض‭ ‬مضاجعهم‭.‬
  • لا شك أن الإنترنت هي من إفرازات العولمة وضروراتها الاقتصادية الملحة. والعولمة ظهرت لخدمة الامبراطورية الأمريكية أكثر من أي شيء آخر، خاصة إذا ما علمنا أن “العولمة” ما هي إلا ذلك المرادف الناعم  “للامبريالية ” التي من أهم أهدافها استعمار العالم بوسائل مختلفة ووضعه تحت سيطرتها وخدمتها. لكن الرياح لم تجر كما تشتهي السفن، فهناك من هو أقوى وأذكى بكثير من كل الامبراطوريات والامبرياليات. من كان يتصور أن تكون الإنترنت الأمريكية التوجيه والمصدر أنجع وسيلة لتعرية السياسات الأمريكية وفضح سجلاتها السرية جدا، وكشف عورات الدبلوماسيين‭ ‬الأمريكيين؟
  • هل كان سادة الإنترنت ومشغلوها الأوائل يتوقعون زلزال ويكي ليكس؟ بالطبع لا، مع الاعتراف طبعا بأن هناك من يجادل بأن التسريبات ربما جاءت بمباركة أمريكية لغاية في نفس يعقوب. لكن لو تركنا نظرية المؤامرة جانبا هنا، وركزنا جدلنا حول فاعلية الشبكة الإلكترونية وخطورتها‭ ‬واستحالة‭ ‬ضبطها‭ ‬مهما‭ ‬كثرت‭ ‬القيود‭ ‬والمراقبة‭ ‬والتشديد،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الوحش‭ ‬انقلب‭ ‬فعلا‭ ‬على‭ ‬راكبه،‭ ‬أو‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬انقلب‭ ‬السحر‭ ‬على‭ ‬الساحر‭.‬
  • لقد حاولت المؤسسة الأمريكية الحاكمة بأهم أركانها، أي وزارتا الخارجية والدفاع وما تبعها من أجهزة استخبارات وبوليس أمريكي أن تقف في وجه الطوفان الويكي ليكسي، لكنها فشلت فشلا ذريعا. والمضحك أن بعض أجهزة الأمن الأمريكية مارست ضغوطا هائلة على مزودي خدمة الإنترنت الأمريكية كي تزيح موقع ويكي ليكس عن سيرفراتها. وفعلا استجابت شركة “أمازون” الإنترنتية العملاقة للضغط فورا، فطردت الموقع من مخدماتها، وهو بالطبع تصرف أمريكي أحمق من الحكومة ومن “أمازون”، خاصة أن الأمريكيين يتشدقون ليل نهار بضرورة إفساح المجال أمام حرية تبادل المعلومات وانسيابها عالميا. ولا ننسى أن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل غور هو من أطلق تسمية “سوبر هاي واي”، أي الأوتوستراد العملاق على الشبكة العنكبوتية. لكن كما نرى فإن الأمريكيين هم أول من يضع العوائق والعقبات والحواجز على ذلك الطريق الهائل والسريع لتدفق المعلومات. وقد أحسنت مجلة  “تايم ” الأمريكية صنعا عندما وضعت على غلافها الأخير صورة لمؤسس موقع  “ويكي ليكس ” جوليان أسانج وقد غطى العلم الأمريكي فمه كدليل على القمع الأمريكي لحرية التعبير. ولا ندري إذا كانت تسريبات ويكي ليكس مجرد ذريعة أولية لخنق الشبكة العنكبوتية وضبط التدفق المعلوماتي عالميا بحجة أنه يهدد الأمن القومي والمصالح الأمريكية في العالم. من يدري؟ لكنهم لم ينجحوا حتى الآن على الأقل، فما أن تمت إزاحة الموقع عن السيرفر الأمريكي حتى قامت شركات سويسرية باستضافة موقع “ويكي ليكس ” على الفور. لا بل‭ ‬إنها‭ ‬أعطته‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناوين‭ ‬إلكترونية‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬لتسهيل‭ ‬عمليات‭ ‬الدخول‭ ‬للموقع‭.‬
  • لا‭ ‬أدري‭ ‬لم‭ ‬نسيت‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الموقع‭ ‬عن‭ ‬المخدمات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لن‭ ‬يمنع‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬مطالعته‭ ‬على‭ ‬سيرفر‭ ‬آخر،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭. ‬يا‭ ‬للغباء‭!‬
  • باختصار، فإن العتمة، كما يقول المثل الشعبي، لم تأت على هوى الحرامي، أي أن اللص كان يعتقد أنه يستطيع أن يسرق كما يشاء تحت جنح الظلام، لكن العتمة لم تكن كاملة، فانفضح أمره، ووقع في شر أعماله، وهذا ما حدث بالضبط لأمريكا في حكايتها مع الإنترنت وآخر تجلياتها المتمثلة بفيضان “ويكي ليكس” الإلكتروني. لقد أراد العم سام من الشبكة العنكبوتية أن تكون وسيلته الإعلامية والثقافية الأنجع للسيطرة على العالم، لكنه ربما لم يفكر يوما بأن ليس كل ما تتمناه الامبريالية تدركه. وإذا أردنا أن نفلسف الأمور أكثر قليلا يمكن هنا أن نستعين‭ ‬بمصطلح‮ “‬دهاء‭ ‬التاريخ‮”‬‭ ‬للفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬الشهير‭ ‬هيغل،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬تحكمه‭ ‬أحيانا‭ ‬المصادفة‭ ‬أو‭ ‬القدر‭ ‬الأعمى‭. ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬الأقوياء‭ ‬توجيهه‭ ‬حسب‭ ‬مصالحهم‭.‬
  • أخيرا‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ويكي‭ ‬ليكس‭ ‬انتصارا‭ ‬حقيقا‭ ‬للإنترنت‭ ‬على‭ ‬أربابها،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬خديعة‭ ‬كبرى‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬وإخراج‭ ‬أمريكا‭ ‬وتقديم‭ ‬جوليان‭ ‬أسانج‭ ‬وشركاه‭!‬

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • Hamid

    mem chose que le précedent
    السلام عليكم و رحمة الله و شكرا لك يا شروق و يا دكتور
    كلام الدكتور فيصل منطقي و صحيح و لكن اطرح تساؤل ربما يكون ساذجا
    هل بالسهولة بما كان ان يترك الامريكان موقع بسيط لصاحبه غير النافذ ان يفعل ما يفعل و دون ردة فعل اين امريكا و جبروتها و هيلمانها
    ايعقل ان يفلت موقع اسانج من رقابة امريكا و ان استضافه سارفير اخر من اوروبا
    لماذا تدفقة هذه المعلومات و فيها فضائح دول العالم الثالث فقط اليس لليهود او امريكا او حتى بعض الاوروبيين فضائل لماذا الا العرب الذين هم مفضوحين
    لقد صورت الوثائق المسربة ان دول العالم الثالث هم الوحوش و ان الدول الاخرى ليست الا مروض لها اين مراسلات السفير الامريكي باسرائيل و ماذا كتب عنه و ماذا عن الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة
    ما هذا
    و الله اريد جواب

  • ferkoun tarek

    السلام عليكم و رحمة الله و شكرا لك يا شروق و يا دكتور
    كلام الدكتور فيصل منطقي و صحيح و لكن اطرح تساؤل ربما يكون ساذجا
    هل بالسهولة بما كان ان يترك الامريكان موقع بسيط لصاحبه غير النافذ ان يفعل ما يفعل و دون ردة فعل اين امريكا و جبروتها و هيلمانها
    ايعقل ان يفلت موقع اسانج من رقابة امريكا و ان استضافه سارفير اخر من اوروبا
    لماذا تدفقة هذه المعلومات و فيها فضائح دول العالم الثالث فقط اليس لليهود او امريكا او حتى بعض الاوروبيين فضائل لماذا الا العرب الذين هم مفضوحين
    لقد صورت الوثائق المسربة ان دول العالم الثالث هم الوحوش و ان الدول الاخرى ليست الا مروض لها اين مراسلات السفير الامريكي باسرائيل و ماذا كتب عنه و ماذا عن الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة
    ما هذا
    و الله اريد جواب

  • ferkoun tarek

    السلام عليكم و رحمة الله و شكرا لك يا شروق و يا دكتور
    كلام الدكتور فيصل منطقي و صحيح و لكن اطرح تساؤل ربما يكون ساذجا
    هل بالسهولة بما كان ان يترك الامريكان موقع بسيط لصاحبه غير النافذ ان يفعل ما يفعل و دون ردة فعل اين امريكا و جبروتها و هيلمانها
    ايعقل ان يفلت موقع اسانج من رقابة امريكا و ان استضافه سارفير اخر من اوروبا
    لماذا تدفقة هذه المعلومات و فيها فضائح دول العالم الثالث فقط اليس لليهود او امريكا او حتى بعض الاوروبيين فضائل لماذا الا العرب الذين هم مفضوحين
    لقد صورت الوثائق المسربة ان دول العالم الثالث هم الوحوش و ان الدول الاخرى ليست الا مروض لها اين مراسلات السفير الامريكي باسرائيل و ماذا كتب عنه و ماذا عن الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة
    ما هذا
    و الله اريد جواب

  • بدون اسم

    هل ننام ونصحى وندور في فلك غيرنا

  • أحمد

    وثائق ويكيليكس تدخل في إطار الفوضى الخلاقة التي تدعو إليها أمريكا ياعتبارها القادرة على الاستفادة منها عندما سينشغل بها العالم. والذي يجب معرفته هو أن أمريكا تحتضر والخليج لا زال يعتقد في قوتها وستتعرى سوءة كل من لا زال يثق فيها. أمريكا تتمنى اشتعال حرب كبرى في أي منطقة في العالم لا تكون طرفا مباشرا فيها. و كما تدين تدان

  • برغيش

    لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العضيم
    ما هو ذنب تلا ميذ المدارس الذين سيتعطلون عن الدراسة بسبب تخريب المدارس
    ما هو ذنب الهوات والموهوبين الذين لن يجدو بعد اليوم ملاذا لهم بعذ تخريب دور الشباب
    كان من المفروض تنضيم هذه الإحتجاجات كي لا تكون عواقبها وخيمة لكن في نفس الوقت إن كان هناك تنظيم من طرف أحزاب أو منضمات أو جمعيات أو نقابات لكان المنظم هو الشّمّاعة التي سيعلق النضام عليها كل تداعيات هذه المنزلقات الخطيرة
    ستقوم الدولة بعد هذه الإحتجاجات بصرف الملايير لإعادة تأهيل مادمر من مصالح وإدارات و فروع مؤسسات كان الأولى أن تصرف في التنمية لكن نحن كشعب نتبع المثل الشعبي ( فزادها ولا قعادها ) أي بما أن الدولة تبخل على شعبها الملايير المكدسة فسيعرف الشعب كيف يخرجها من خزائنها ولو لإعادت التعمير لما خلفة
    هذه سياسة الدولة وهذه سياسة الشعب أنا كمواطن جزائري أحب بلدي وأعشق كلمة الجزائر حتى النخاع لكنني أكره الحكومة وأكره سياساتها كره العمى
    لأني لم أرى شيء يجعلني أحبها غير أمر واحد وهو عدم الإعتراف بشيء اسمه إسرائيل وغير هذا فلتذهب الحكومة وحكامنا إلى الجحيم.

  • CHAKIB

    حفضك الله ورعاك ودمت دائما في خدمة الأمة الاسلامية وان شاء الله تموت شهيدا

  • ماضي عمر

    جوليان أسانغ لم يكن ليفعل ما فعل لو كان من بلدان العالم الثالث،أو من العالم العربي، لو كان أسانغ عربيا مثلا لاستسلم و لباع ضميره امام أضعف إغراء أو تهديد.
    لقد استحوذ العالم الغربي على كل شيء، حتى الرجال ذوو المبادئ لا نسمع عنهم إلا في الدول الغربية