الرأي

السودان: نهاية خدعة المدني والعسكري!

محمد سليم قلالة
  • 1329
  • 1

أضاع السودان الشقيق أكثر من سنتين من عمره المعاصر في مرحلة انتقالية بلا معنى. كان شعارها تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين إلى حين إجراء انتخابات حرة. تم توريط الجميع في مثل هذه الثنائية المُخادِعَة والقاتلة التي اعتبرها البعض عنوان ثورة، وصَدَّق آخرون أنها جوهر المشكلة. ولم ينتبه فريق ثالث أن عالم اليوم أصبح يتجه إلى الوحدة بين ما هو مدني وعسكري لصعوبة التمييز. يقول “الفين توفلر” في مقدمة كتابه الحرب والحرب المضادة: إنه يصعب عليَّ تصنيف قائد تحديث القوات الأمريكية إن كان مدنيا أم عسكريا! وعندنا صنعوا من التمييز والتفرقة بينهما عنوان سياسات وثورات وثورات… ليس حُبًّا في المدنيين ولا في الديمقراطية إنما خدمة لمصالحهم. إنهم أكثر المؤيدين للعسكر والدكتاتوريين والأمراء المتوارثين للسلطة طالما بقوا طَوْعَ أوامرهم، وإن اضطهدوا شعوبهم أو نهبوا ثرواتهم أو باعوا مواقفهم  للكيان الصهيوني بلا ثمن… أولئك لا حرج عليهم وهم جزء من المجتمع الغربي المتحضر… أما دونهم فأمامهم سوى أن يختاروا بين الفوضى أو الحرب.
ودفع السودان الشقيق ثمن هذه الثنائية المخادِعة المُستحدَثَة. لو فتح الأبواب على مصراعيها للكيان الصهيوني (الذي تسلل بين فجوة المدنية والعسكرية لعدة أشهر) وأعلن الولاء لأمريكا والغرب، لأصبح الحكم فيه اليوم، وإن كان عسكريا، شريكا استراتيجيا يستحق الدعم بملايين الدولارات وأصبح معارضوه من المدنيين إما إسلاميين أو حتى إخوانا مسلمين… أما وأنه تردد في الأمر فهو في حكم المارقين الذين سيُحرَمون من المساعدات وتُفرض عليهم العقوبات…
هكذا هي اللعبة اليوم، ليس من السهل تحميل مسؤولية ما يحصل فيها للمدنيين باعتبارهم انقسموا، أخطأوا، ترددوا وتأخروا في سياساتهم… أو للعسكريين باعتبارهم عطَّلوا ومَنعوا تنفيذ قرارات المدنيين، بل إلى الخلل في منهجية التغيير التي اعتمدها كلاهما بعد سنة 2018.
إن شعوبنا اليوم ليست في حاجة إلى خوض حروب وهمية كالتي أُعلنت في بعض البلدان، بين المدني والعسكري، بل إلى وضع حد لها.. وليست في حاجة إلى صراعات أيديولوجية كالتي أقيمت بين الإسلاميين واللائكين، أو إلى خوض معارك لا نهاية لها كالتي حملت عنوان العِرق أو الدين أو الهوية، بل إلى تجنبها… إننا اليوم، سواء أكنا في السودان أو في غيرها في حاجة إلى أطروحات تقوم على أساس الوحدة والتكامل بين الجيش والشعب أثناء الحركة، والأولوية الوظيفية أثناء الأداء والفعل.
إنه من السهل اليوم زيادة تأجيج الصراع بين المدنيين والعسكريين في السودان، أو استحداث استقطاب لدى الرأي العام بين هؤلاء وهؤلاء ليسقط مزيد من الضحايا ويتم تشويه الجيش السوداني العريق، وإلحاق الضرر بالشعب السوداني الشقيق الذي بات باحثا عن أمل النجاة من منطق اليأس الذي يريدونه عنوانا دائما له يغذي الحقد والصراعات…

إن المسألة تتعلق بالدرجة الأولى بوحدة جميع القوى السياسية مع الجيش السوداني لإعادة بناء مؤسسات الدولة تدريجيا بعيدا عن أي تدخل أجنبي، وبعدها ليجري التنافس داخل هذه المؤسسات، عندها تكون السودان قد خرجت من عنق الزجاج واستعادت الأمل في مستقبل واعد…

مقالات ذات صلة