الشاذلي بن جديد وصورة الرئيس
من هو الشاذلي بن جديد؟ هل كان الجزائريون يعرفون حقا هذا الرجل الذي حكم البلاد ثلاث عشرة سنة؟ أشك في ذلك، مثلما تؤكده أمثلة عديدة.
أثارت وفاة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد موجة نادرة من التعاطف الشعبي، وكأن الشعب الجزائري أراد أن يصحح ما ارتكبه مع هذا الرجل الذي حكم البلاد وهو يعاني من صورة سلبية كثيرا ما أعاقت مبادراته السياسية. وقد ترك الشاذلي هذا اللغز قائما: من صنع وفرض هذه الصورة الخاطئة للرجل، صورة رافقته طول وجوده في السلطة وبعدها، ولم يتمكن أن يتخلص منها في آخر أيامه؟
وكانت صورة الشاذلي بن جديد تختلف عن الواقع إلى درجة أن رفقاءه كانوا محتارين أمام ما تكتب عنه الصحافة، بينما كان المواطن العادي لا يصدق ما يقال عن الشاذلي من صرامة ونزاهة وحرص على احترام القوانين. وقد بدأ هذا الفارق بين الرجل والصورة التي يظهر بها مباشرة بعد اختياره لخلافة الراحل هواري بومدين، لما صدر ملخص عن حياته يشير إلى أن الشاذلي بن جديد كان ينتمي إلى الجيش الفرنسي في الماضي. من أين جاء هذا النص؟ لا أحد يعرف. لكن منذ ذلك الوقت بقيت هذه الفكرة راسخة عند الكثير.
واعتبر المؤرخون هذه النقطة كحقيقة، وبنى الكثير عليها تحاليل سياسية هامة، رغم أنها خاطئة. ونذكر أن الشاذلي بن جديد مثل هواري بومدي اختار عددا من الضباط الذين تلقوا تكوينهم في الجيش الفرنسي قبل أن يلتحقوا بجيش التحرير الوطني، اختارهم لتأطير جيش الجزائر المستقلة. وتقلد رجال مثل عبد الله بلهوشات والعربي بلخير وخالد نزار ومحمد ڤنايزية ومحمد العماري وغيرهم، تقلدوا مناصب في مستوى عال، مما دفع بعض المعارضين إلى القول إن الشاذلي اختار هؤلاء لأنهم قد ينتمون إلى تيار يتعاطف مع فرنسا. عكس ذلك قال نفس المعارضين إن الشاذلي قد أقصى ضباطا بسبب تكوينهم في جيش التحرير مثل مصطفى بلوصيف…
لكن الواقع يختلف، حيث أن الشاذلي لم ينتم أبدا إلى الجيش الفرسي، بل أنه “جبهوي خالص”، وقد شارك في حرب التحرير ميدانيا في الولاية الثانية، وقاد وحدات قتالية، مما يؤكد أن الرجل كان متفتحا وقادرا على اختيار من يعتبره ذا كفاءة سواء كان من المقربين إليه أم لا.
ويمكن أن نذكر العديد من القضايا التي يظهر الشاذلي مختلفا تماما عن الصورة التي أعطيت عنه. فهو رجل قرار حازم بينما كان يقال عنه أنه متهاون لا يبالي بما يحدث.
وعاش الشاذلي كل مرحلة الرئاسة التي دامت ثلاث عشرة سنة بهذه الأكذوبة، ولما غادر السلطة قيل إنه سلمها لأصدقائه الذين تلقوا تكوينهم في الجيش الفرنسي مثل العربي بلخير والعماري ونزار وغيرهم. وقضى الشاذلي سنوات طويلة قبل أن يدرك أهمية هذه القضية فحاول التخلص منها بمساندة جريدة متواضعة.
واتصل مقربون من الشاذلي بن جديد بمؤرخ مشهور وطلبوا منه أن يصحح ما كتب عن الشاذلي في هذه النقطة، فرفض المؤرخ أن يصدقهم وقال إن الشاذلي يريد تزيين تاريخه، وأضاف المؤرخ أنه يرفض أن يشارك في مثل هذه اللعبة. ووجد رئيس جزائري، نفسه في وضع يتكلم عن نفسه وعن حياته فهل يصدقه الناس…
ويمكن أن نذكر العديد من القضايا التي يظهر الشاذلي مختلفا تماما عن الصورة التي أعطيت عنه. فهو رجل قرار حازم بينما كان يقال عنه أنه متهاون لا يبالي بما يحدث. وقيل عنه أنه كان يعارض الثورة الزراعية، حيث قال لي قبل سنوات: الثورة الزراعية من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الدولة، وقد ضيعنا فيها الكثير.
وتأكدت عندها من هذه الحقيقة: إن الشاذلي بن جديد كان يختلف تماما مما كان يقال عنه، لكن يبقى السؤال مطروحا: من هي تلك الهيئة أو القوة، أو من هذا الطرف الذي صنع هذه الصورة السلبية للرئيس الشاذلي بن جديد، وهي الصورة التي لم يتمكن من التخلص منها إلى أن لقي ربه؟