-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عطلة شتوية مبكرة والتجارة الجبلية تظهر مع البساط الأبيض

“الشروق” تنقل ابتهاج أهل الهضاب العليا بتساقط الثلوج

سمير منصوري
  • 2947
  • 0
“الشروق” تنقل ابتهاج أهل الهضاب العليا بتساقط الثلوج
ح.م

كانت الساعة تدق التاسعة من صباح الجمعة، عندما سرنا، مع قوافل المواطنين عبر سيارات سياحية خفيفة ورباعية الدفع، من طالبي المتعة البيضاء في يوم بارد، لم تزد فيه درجة الحرارة في الهضاب العليا عن الدرجتين.
لم يختلف منظر بعض العائلات، ورب الأسرة يملأ سيارته بالأبناء، وهم في أشد الشوق لملامسة الثلوج، وأيضا متسلحين باللباس الصوفي والسترات الثقيلة والقبعات والقفازات الشتوية الدافئة، عن منظرهم صيفا، وهم يتهيأون للتوجه إلى الشواطئ المحيطة بولاية سطيف في بجاية وجيجل، ماعدا درجات الحرارة التي لا يقل الفارق فيها عن أربعين درجة مئوية.
ما لاحظته الشروق اليومي، وهي تشق الطريق نحو جبال مقرس بولاية سطيف وهي سلسلة تابعة لجبال البابور المرتفعة عن سطح الأرض بما لا يقل عن 1500 متر، هو أن بعض المواطنين، في سطيف خاصة من الكهول والشيوخ، مازالوا يستعملون سلاسل العجلات، التي تستعمل أثناء التهاطل الكثيف للثلوج، وهي السلاسل المساعدة على الحركة وخاصة على التسلق المرتفع، على اعتبار أن ولاية سطيف ومناطقها الشمالية على وجه الخصوص اشتهرت في القرون والعقود الأخيرة بكميات التهاطل القياسية للثلوج، بالرغم من الجفاف الأخير والتغيرات المناخية التي حوّلت الصورة البيضاء في سطيف إلى استثناء وكانت قاعدة مناخية.
تهاطل الثلوج والبرد الشديد الذي ثبّت البياض على جبال مقرس المنطقة التابعة لبلدية عين عباسة بنحو حوالي 20 كلم شمالا عن مدينة سطيف، تزامن مع العطلة الأسبوعية، الجمعة والسبت، وتزامن أيضا مع نهاية الامتحانات الفصلية في كل الأطوار المدرسية وهو ما شجع سكان ولاية سطيف وما جاورها من ولايات على الانتقال بكثافة، لأجل الاستمتاع بالأجواء الشتوية، التي صارت نادرة في السنوات الأخيرة وهذا يوم الجمعة وأمس السبت.

زوار من كل مناطق الوطن
تبعد جبال مقرس عن مدينة سطيف بنحو 20 كلم، وعن بلدة عين عباسة بخمسة كيلومترات فقط، وإذا كان الجو في عاصمة الولاية ماطرا، فإن اللون الأبيض يتراءى للسياح على بعد حوالي عشر كيلمترات، وكلما اقتربنا من جبال مقرس كلما زاد البرد، وصارت الصورة أكثر بياضا، وحركة السيارات أكثر بطءا، إلى أن طرقنا باب البياض، وهنا اكتشفنا بأن عاصميين وأبناء الأوراس وحتى تبسة سبقونا للمكان، كما قال رب عائلة قادم من الشريعة بولاية تبسة وهو مدير مدرسة، مبتسما: “نحن نقطن في الشريعة ولكن في ولاية تبسة وليس ولاية البليدة، وعدتُ أبنائي في الصيف الماضي الحار جدا، بأن أنقلهم إلى جبال البابور للتمتع بالثلوج، ووجدت نفسي أتابع مصالح الأرصاد الجوية، منذ بداية شهر ديسمبر الحالي، وأرصد مكان الثلوج وموعدها، الحمد لله وفيت بوعدي، صحيح أن المسافة بعيدة جدا ولكنها ستبقى راسخة في أذهان أبنائي، الذين تزودوا بلباس ثقيل وهم يمارسون حاليا اللعب البريء بكريات الثلج”.
بينما يقول كهل في الخمسين قادما من وسط البلاد من البرواقية وهو مهندس في الفلاحة: “الجزائر هي البلاد الوحيدة التي يمكن فيها للمواطن أن يسيح فيها طوال فصول السنة، من الخريف إلى الصيف مرورا بالشتاء والربيع، الطريق السيار وتزامن الثلوج مع عطلة نهاية الأسبوع ساعدني في نقل عائلتي الصغيرة، لنعيش يوما مختلفا، خاصة أن الطريق إلى جبال مقرس لم تكن معقدة أو مزدحمة وحتى الطريق كانت صالحة”.
في المقابل، عاد أطفال مشاتي عين عباسة، إلى ممارسة بعض التجارات الظرفية من بيع للبيض الطازج والساندويتشات والمحجوبة الساخنة والحمضيات وحتى الأوشحة الشتوية، وخاصة كاسات الشاي والقهوة، بالرغم من أن العائلات التي تواجدت هناك، أخذت احتياطاتها من حيث اللباس والأكل أيضا، حيث نقلت معها المحجوبة والأكلات الساخنة، ومنها من استغلت مواقد تحت الأشجار على اعتبار أن خطر الحرائق معدوم في ظروف مناخية مماثلة.

خرافات مندثرة
عمي الزواوي وهو إبن المنطقة، حدثنا عن أساطير ارتبطت بثلج سطيف، وجبال مقرس، فقد كانت الثلوج تبقى إلى غاية بداية الصيف في ثمانينات القرن الماضي فقط، ومما رواه لنا عمي الزواوي، هو أن البعض كان يعتقد بأن علي كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين، طار بحصانه من الكوفة قبل استشهاده، إلى جبال مقرس، وبقي أثر قدم حصانه المسمى “سابق” مغروسا في الثلج وفي الجبل، وتحوّلت الرواية الخيالية إلى أسطورة، وكانت النسوة في زمن الاستعمار، يزرن المكان صيفا، للتبرك بأثر القدم المزعوم، قبل أن تندثر هذه الحكاية من يوميات أبناء الهضاب العليا نهائيا، كما أن أبناء سطيف كانوا يزورون هذه الجبال في الشتاء خلال التهاطل الكثيف للثلوج، وينحتون تماثيل بيضاء برأس وأيد وأرجل، ويعودون في أواخر الربيع ليشاهدوا التغيرات التي تطرأ على النحت الثلجي، بين من تفقد أطرافها العلوية أو تندثر نهائيا بفعل الشمس.
عكس جبال تيكجدة في ولاية البويرة والشريعة في ولاية البليدة، فإن جبال مقرس، لم تعرف مشاريع سياحية للراحة، والموجود حاليا مازال في طور الإنجاز على بساطته وهي “بنغالوهات” بالقرميد، بوشر في إنشائها منذ أربع سنوات، ومازالت دون تسليمها لتكون في الخدمة، فلا مقهى ولا مطعم في المكان الساحر، فقد بقيت المنطقة كما هي عذراء تتلون بالأبيض في الشتاء، وتستقبل عشاق البياض من دون أي خدمات فندقية أو مطعمية، وتأكل أخضرها وأشجارها النادرة النيران في فصل الصيف، الذي صار حارا جدا وينقل مقياس الحرارة من 10 تحت الصفر في الشتاء إلى خمسين مئوية في جويلية أو أوت.
غادرنا جبال مقرس ولاحظنا التواجد القوي لرجال الدرك الوطني ومصالح الحماية المدنية وبعض منتخبي وعمال بلدية عين عباسة، وأيضا تعطل الكثير من السيارات الخفيفة، التي لم تقو محركاتها ولا هياكلها المتواضعة عن مجابهة البرد القارس والصخور الثلجية، حيث بلغ سمك الثلوج في بعض المناطق منها عشرين سنتم فقط في انتظار ثلوج قلب الشتاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!