الرأي

الصيف.. ضيَّعت اللبن

عمار يزلي
  • 1099
  • 5
ح.م

قبل أسبوع كانت الذكرى الـ57 ليوم استقلالنا عن فرنسا، وأول أمس 14 جويلية كان عيد فرنسا الوطني الذي صار منذ سنوات مزارا لكثير من مسؤولينا السياسيين. كانت العصابة تحتفل بعيدهم الوطني ولا تتساءل: لماذا لا يحتفلون هم معنا بعيد استقلالنا؟ لأنهم كانوا يعرفون الفكرة أنهم لا يزالون يعتبروننا لم نستقلّ عنهم وهذا صحيح بالمرة.

اليوم، فرنسا تكيد كيدا للبلد من خلال نطفها الذين تركتهم يتناسلون ويفكِّرون باسترجاع البلد لهم كما كانت من قبل، من خلال كل أشكال التموقع والفتن وضرب هذا بذاك والتنكر للتاريخ الوطني.. وضرب حتى المؤسسة الوحيدة الصامدة ضد هذا الأخطبوط.. إنها المؤسسة العسكرية التي تمثل القوة الوحيدة المعارضة للنظام القديم والعصابات المتبقية في دواليب الدولة والسياسة والمال والإعلام والفن والثقافة والعلم.. سياسة فرنسية قديمة لم تفلح فيها قديما تريد أن تفلح فيها اليوم بما تركته فينا من آل ديغول تحمله الشياطين.

فرنسا كانت راضية جدا عن العصابة الحاكمة، لأنها كانت تدرك أننا نسير في ركابها، إلى الهاوية (وما أدراك ماهيه!). ألم يكن الراحل هواري بومدين يقول إنه كان يجعل من رضى فرنسا عنه أو سخطها، مقياسا لسلامة التوجُّه من عدمه؟

14 جويلية لهذه السنة، يختلف عن المناسبات الأخرى: فلأول مرة “نحتفل” بهذه المناسبة في ظل جزء من حَراك تحرِّكه هذه القوى في الداخل وفي الخارج التي تحمل مشروعا استراتيجيا: القضاء على قواعد الفكر الإسلامي لعلها تعيدنا إلى مرحلة تأميم المساجد بعد خوصصتها، ويعود “الشيخ أوغسطين بيرك”، كما كان يسميه الشيخ البشير الإبراهيمي، مفتيا للديار الإسلامية المالكية على الطريقة الحنفية، فهذا ابنه “جاك بيرك” وليد فرندة بتيارت قد أهدت زوجته الإيطالية التي لا تتعدى ثقافتها ثقافة حداد وطرطاق في عهد العصابة، كل مكتبته لجمعيةٍ تحمل اسم هذا المستعرب الجزائري الفرنسي؟

يريدون إذن أن نعود إلى خطب المساجد التي لا تفرِّق بينها وبين بيان حكومي أو وزارة الداخلية و”المجاعات…” وتشريع قوانين تسمى “تصحيح الصحيحين..” (البخاري ومسلم)، ليصبح القانون المصحح (البخاري مش مسلم)، محرِّما للحلال ومحلِّلا للحرام، حتى إنه ليُلقى القبض على المصلي، فيُضرَب بالسياط من سيرك عمار.. بلا عمرة، حتى ينادي في الملإ “أني والمؤمنين بريء مما يفعلون من دون الشيطان”، ويُمسَك بالسكير والزنديق والديوث والمخنَّث والداعر، والفاسق والفاسقة والفاجر والفاجرة، فيُسأل عن أهله وذويه، فيقول: أنا من بيوتات أصحاب المال والجاه والسلطان، فيُتبرَّك به ويطلب له القاضي الشرعي بالبركة بجاه “سيدي بيرك”، ويُمسك بشاب يصلي الفجر بمسجد الحي، فيُزجُّ به في قناةٍ لصرف المياه (مثل بعض القنوات..)، حتى إذا ما افتكوا منه اعترافات “إرهابية”، رُمي به إلى أمه قائلين لها: “.. ربُّوا أولادكم.. ربُّوا أولادكم..”.

هكذا، أخشى من التعفن السياسي والأمني مرة أخرى، الذي يسعى إليه المغامرون الدونكيشوطيون اليعاقبة، لاسيما أن فرنسا تعوَّدت أن تعرف بلدنا ملزما سياسيا بعقد إيفيان، بأجندة فرنسية، لا تراعى فيها إلا مصالح هذه القوى التي لن ترضى علينا إلا إذا اتبعنا دينها (بترك ديننا).. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

اليوم، وبعد اليوم، لن يكون لفرنسا بعد اليوم أن تفكر في أن الجزائر حديقتها الخلفية.. إنها تعرف أنها قد بدأت تفقد فردوسها.. فتعمل على تحريك أدوات خارج الكيدورسي للدوس على بقاياها طمعا في استعادة الكرسي.

مقالات ذات صلة