العلاج المتأخر
قامت وزارة الداخلية والجماعات المحلية مؤخرا بإصدار بيان أو تعليمة إلى الولايات والإدارات المحلية ردا على الإضراب – الأول من نوعه – الذي شنه عمال الإدارة المحلية في بلديات الجزائر لمدة يومين تلبية لنداء بعض النقابات المستقلة، لمحاولة تفسير ما قامت به الوزارة من ” مجهودات وإجراءات لصالح عمال القطاع وخاصة منها وضع قانون خاص أو مهني لتنظيم المهنة ” متهمة المضربين بجهل هذا المجهود والخضوع للمناورات الهادفة إلى ضرب استقرار الإدارة المحلية .
- وكان من المفروض أو من المنطق أن يتم إصدار هذا البيان أو التوضيح قبل اندلاع الإضراب ليكون مقدمة للدخول في حوار أو مفاوضات حول أسباب هذا الإضراب ومحاولة تفاديه، ولكن لما كانت سياسة المسؤولين الجزائريين لا تخضع لأي منطق أو عقلانية ماعدا الحسابات السياسية، قامت الوزارة مرة أخرى بإعطاء تفسير بعدي سهل كالعادة لهذه الظاهرة التي تنخر عظام الاقتصاد الوطني منذ سنين عديدة.
- السلطات الجزائرية لم تقم ولو مرة واحدة على هامش هذه الإضرابات التي أصبحت تعم كل القطاعات، بتقييم الخسائر الناتجة عنها على الأقل من ناحية عدد ساعات العمل الضائعة والتي تعد بالملايين في كل إضراب، مثلما وقع في قطاع التربية والتعليم، ولكنها في كل مرة تسارع إلى إجراءات الحسابات المتعلقة بمدى تأثر هذه الإضرابات من الناحية السياسية، وما إذا كانت تمس باستقرار المسؤولين من وزراء ومديرين في مناصبهم ومصالحهم، وخاصة إذا كانت تمس بمصالح وصلاحيات النقابة الرسمية الواحدة دون النظر إلى عواقبها الوخيمة على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، واستقرار البلاد ككل، وهي من هذه الناحية مستعدة دائما لفعل أي شيء بما في ذلك تقديم التنازلات غير المدروسة وغير المبررة التي ليس من شأنها سوى التشجيع في الذهاب إلى أقصى التصرفات والمطالب من ناحية العمال والمستخدمين. يحدث هذا عندنا ويحدث دائما بعد أن تقع الفأس في الرأس، في حين تسارع السلطات عند الآخرين إلى فتح الحوار والتشاور حتى قبل أن تنتشر رائحة الإضرابات حفاظا على الوقت والمال الذي قد يهدر في مثل هذه الأحوال، بل حتى موضة الإضراب المضادة التي أصبحت تنتشر في بعض الدول والقاضية بالاحتجاج عبر زيادة ساعات العمل والإفراط في الإنتاج أصبحت تعالج في وقتها خوفا من أن تؤدي إلى إغراق السوق وتخل بالتالي بنظام الأسعار والإنتاج.
- ولكن شتان بين سلطة تستمد من شرعيتها للعمل على حماية اقتصادها الوطني واستقرارها الاجتماعي وبين سلطة تستمد هذه الشرعية من المصالح الخاصة لأعضائها وحمايتها بكل الأشكال والطرق ومنها استعمال القمع وسد أبواب العلاجات الأخرى!