الرأي

“العلم” لا يبرر الخيانة

في الغالب لا أُّولي اهتماما لما يعلِّقُ به المعلِقُون – مدحًا أو قدحا – على ما أنشره في هذا المنبر، لا احتقارا لآرائهم، ولكن لأن أكثر أولئك المعلقين يَتَسَتَّرُونَ خلف أسماء مستعارة، وهذا من مَعَايب كثير من الناس الذين تخونهم الشجاعة الأدبية، ولأن كثيرا من التعليقات لا صلة لها بالموضوع، وإن كان منها ما له قيمة…

ولكنني اليوم أردُّ على من عَلّقَ على كلمتي المنشورة في يوم الخميس الماضي لأمرين:

1) المعلق معروفٌ لديّ، ولدى كثير من المثقفين.. إن لم يكن مُنْتَحِلًا للاسم.

2) لأن تعليقه جاء عبر رسالة في هاتفي، رغم أنني لا أذكر أنني أعطيته رقم هاتفي.

بعد ما دعا لي صاحب الرسالة بالهداية، تساءل عن الفائدة من تكفير أوغسطين بأثر رجعي، ثم ذكَّرني بأن “هذه الشخصية الدينية الفلسفية الجزائرية العالمية كان يمكن الاستثمارُ فيها لِصَالِحِنَا وبشكل إيجابي”. ثم رأى أن هذا غير مُتَاحٍ إلا لمن أوتي “الحكمة” و”البصيرة” في “المعرفة والسياسة” وختم رسالته بـ”حكمٍ” مفاده أن “أصحاب السبورة لا يحسنون ذلك للأسف”.

من جهتي أدعو بالهداية لهذا الداعي، وأُذَكِّره بأنني لست من “كفّر” أوغسطين، وإنما هو الله – عز وجل – في كتابه الذي لم يكتبه بشرٌ كما كتب ما يُسمى “توراةٌ وإنجيل”، اللذان يؤمن بهما أوغسطين رغم يقينه بأن “المسيحية دينٌ غير معقول”. (أنظر كتاب: المسيحية نشأتها وتطورها: لشارل جينيبر. ص9 وهو أستاذ المسيحية في جامعة السوربون). وقد جاء في القرآن الكريم: “لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالثُ ثلاثة، ومَا مِنْ إِلَهٍ إلا الله”. ولأوغسطين كتابٌ كامل بعنوان “الثالوث”.

وأنا أعرف مكانة أوغسطين عند أهل ملته وتوابعهم عندنا، وفي مكتبتي ثلاثة من كتبه هي “مدينة الله!” و”الاعترافات” و”كتابات روحية”، وأملك كتابين عن حياته وفلسفته، إضافة إلى ما يتعلق به في موسوعتين فلسفيتين وفصول عنه في كتب أخرى.. وأما الاستثمارُ فيه فهو كاستثمار “مطعمة الأيتام” في البيت الشعري المشهور، فبئس الاستثمار.. وهو ما حاوله عبد العزيز بوتفليقة في الملتقى الذي عقده لأوغسطين ليقرِّبه زلفى لمن ابتغى عندهم العزة، ناسيا “أن العزة لله جميعا” ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – وللمؤمنين الصادقين. وإذا غضضنا الطرف عن عقيدة أوغسطين، والأمر فيها لله – عز وجل – فإن موقفه من قومه ووطنه غير مُشَرِّفٍ، لأنه كان من “حزب روما” كَمُعَاصِرِينَا من “حزب فرنسا”. إن مثَلَ الذين يجادلون عن أوغسطين كمثَل الذين يجادلون وسوف يجادلون عن الحرْكى المعاصرين، وإن لم يرفعوا السلاح ضد أبناء جلدتهم.

وقد شممتُ في رسالة المعلق نوعا من “الاستعلاء” عندما قال إن “أصحاب السبورة لا يحسنون ذلك للأسف”، أي الاستثمار في هذه الشخصية الفلسفية الدينية العالمية، فكأنه أخرج نفسه من “أصحاب السبورة”، وما هو إلا ثمرة من غرسهم، فبفضلهم صار “نائبا” في المجلس الشعبي الوطني، و”داعية” و”إعلاميا”، “فلا تنسوا الفضل”. والسلام على من اتبع الهدى وتجنب الهوى، والله لا يحب كل خوّان كفور.

مقالات ذات صلة