الرأي

الغيرة على الأعراض.. هل أصبحت موضة قديمة؟!

سلطان بركاني
  • 10396
  • 0

في الجاهلية قبل الإسلام، كان الرّجل الذي لا يغار على أهله رجلا منبوذا بين العرب، بل قد كانت الحروب تنشب غيرةً وحمية للأعراض. ويذكر التّاريخ أنّ إحدى حروب الفِجار الأربع التي نشبت بين العرب في الجاهلية كان سببها أنّ شبابا تسامعوا بجمال فتاة من بني عامر، فأحاطوا بها في سوق عكاظ وطلبوا منها أن تكشف لهم عن وجهها، فرفضت، ولمّا ألحّوا عليها ما كان منها إلا أن نادت بأعلى صوتها: يا آل عامر! فجرّد بنو عامر سيوفهم وكشفت الحرب عن ساق.

وفي الإسلام، جُعل لمن يموت دفاعا عن عرضه أجرُ شهيد وأعظِم به من أجر، وأُسقطت الدية عمّن يفقأ عين من يتطلّع بعينه إلى بيته ليطّلع على حرمته، وحرّمت الجنّة على من لا يغار على أهله، ووُصف من يقبلون لزوجاتهم وبناتهم بأن يخرجن كاسيات عاريات بأنّهم أشباه رجال، يقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “سيكون في آخر أمّتي رجال يركبون على السّروج (السيارات في زماننا) كأشباه الرّجال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات، على رؤوسهنّ كأسنمة البخت العجاف، العنوهنّ فإنهنّ ملعونات، لو كانت وراءكم أمّة من الأمم لخدمت نساؤكم نساءَهم كما تخدمكم نساء الأمم قبلكم”. (الحديث صحّحه الحاكم والهيثمي، وأحمد شاكر).

ربّما لا يماري أحد في أنّنا أصبحنا في زماننا هذا نعيش ونرى مصداق هذا الحديث النبويّ؛ آباء وأزواج يصلّون في المساجد ويشهدون الجمع والجماعات ويسمعون الدّروس والخطب والمواعظ، لكنّهم يُلقون الحبل على الغارب لبناتهم وزوجاتهم؛ آباء يرضى الواحد منهم لابنته أن تكشف شعرها وساقيها وتلبس ما يصف عورتها والله المستعان، وأزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن تخرج متعطّرة قد صبغت وجهها بكمّ هائل من الألوان والأصباغ، وأبدت شيئا من خصلات شعرها من تحت الخمار، وربّما تبدي شعرها ونحرها، ويصطحبها إلى جنبه ويضع يدها في يده، ولسان حاله يقول للنّاس من حوله: “انظروا إلى جمال زوجتي”.. بل ربّما يرضى أن يسمع من زملائه وأصدقائه كلمات الإعجاب بجمال وذوق زوجته!.. آباء وأزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أو ابنته أن تلقي حجابها وبعض ثيابها على شاطئ البحر بحجّة الاستجمام والهروب من الحرّ.. أزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن يخلو بها الطّبيب في عيادته والسّائق في سيارته والبائع في محلّه.. آباء وأزواج يرضون لزوجاتهم وبناتهم أن يتمّ تصويرهنّ في حفلات الأعراس بكامل زينتهنّ، وهم يعلمون أنّ تلك الصّور ستنتقل من يد إلى يد، ومن بيت إلى بيت وينظر إليها من هبّ ودبّ. أزواج يسمح الواحد منهم لزوجته بالعمل في مكان تُهدر فيه كرامتها، تُنهى فيه وتؤمر، وتوبّخ وتزجر، يمازحها هذا ويضاحكها ذاك، ويأمرها هذا ويزجرها ذاك، هذا يسألها عن الأكل الذي تُفضّله، وذاك يسألها عن الأغنية التي تسمعها، وآخر يسألها عن المسلسل الذي تتابعه.. أزواج وآباء يسمحون لزوجاتهم وبناتهم بمتابعة حلقات مسلسلات تنضح بكلمات الحرام والغرام، يتغنّج فيها الممثّلون ويتذلّلون في الكلام، فيميل قلب الزّوجة إلى البطل فلان ويتعلّق قلب البنت بالممثّل علان.. أزواج وآباء يسمحون لزوجاتهم وبناتهم بسماع أغانٍ تنضح كلماتها بالفجور والتباهي بمعاقرة الخمور، ووصف الخدود والنّحور والشّعور، أغانٍ كَتب كلماتِها المنحرفون، وغنّاها المخمورون في الملاهي ومواخير الخمر والزّنا.. أزواج يرضى الواحد منهم لزوجته أن تنزل كلّ يوم إلى الأسواق من غير حاجة، لتزاحم الرّجال وتساوم الباعة وتشاحنهم في الدّرهم والدّينار وتخضع لهم في القول وتلين لهم في الكلام، ويمازحونها ويضاحكونها، وتتمادى في تحرّرها لتدخل محلات الأطعمة السّريعة والحلويات، لتكشف للرّجال عن مهاراتها في المضغ والبلع.

أُثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- أنّه قال مخاطبا رعيته: “ألا تستحون؟ ألا تغارون أن تخرج نساؤكم؟ فإنّه قد بلغني أنّ نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج، أما تغارون، إنّه لا خير فيمن لا يغار”.. فيا الله، لو أدرك علي بن أبي طالب زماننا هذا ما الذي عساه يقول؟

لقد تسرّبت عادات الغربيين إلى بيوت كثير من المسلمين، وماتت الغيرة في قلوب كثير من الرّجال والنّساء على السّواء؛ الآباء في الغرب الآن لا يجد الواحد منهم أيّ حرج في أن تصاحب ابنته الشّباب وتلتقيهم في المقاهي والملاعب والنّوادي، وتستقبل من تشاء منهم في بيتها، ولا يجد الواحد منهم أيّ حرج عندما يسأله زملاؤه عن أحوال زوجته، بل يعدّ ذلك لباقة وظرافة، ولا يجد غضاضة في أن يحدّثهم عنها، ولا تجد الزّوجة حرجا في استضافة أصدقاء زوجها في غيابه، ويحصل من وراء ذلك ما تتحدّث عنه الإحصاءات التي تشير إلى أنّ أكثر من 30  % من حالات الطلاق في أوروبا سببها الخيانة الزوجية، ولعلّ هذا هو الواقع الذي تتّجه إليه بعض أسر المسلمين مع كلّ أسف، وهذا هو الواقع الذي تقودنا إليه ثقافة “Normal” و”ما فيها والو”، عندما ننسى أنّنا مسلمون ندين لله بدين يضبط حياتنا وعلاقاتنا، وتؤكّد نصوصه على أنّ الجنّة محرّمة على الديوث الذي لا يغار على أهله، فلا يدخل الجنّة رجل لا يأمر في بيته بمعروف ولا ينهى عن منكر، لا يدخل الجنّة رجل يرضى لزوجته أو ابنته أن تمتدّ إليها أعين النّاظرين وكلمات العابثين وأيدي اللامسين. المرأة جوهرة مكنونة، ودرّة مصونة، لا يجوز أبدا أن يخلو بها رجل أجنبيّ أبدا ولو كان أخا الزّوج، ولو كان خطيبها. لا يجوز أن تمسّها يد أبدا، لا يدُ طبيب ولا يد ممرّض، إلا لضرورة تقدّر بقدرها وفي حضور محرم من محارمها. لا يجوز أن يضاحكها أو يمازحها جار أو قريب أو زميل، ولا أن يتوسّع في الحديث معها فيما لا تدعو الحاجة إليه.

فينبغي للآباء والأزواج، ونحن على أبواب موسم الحرّ الذي تذوب معه الغيرة في قلوب كثير من الرّجال، على الآباء والأزواج أن يتّقوا الله تبارك وتعالى في زوجاتهم وبناتهم، وفي أعراضهم، فالعرض أغلى شيء يملكه العبد في هذه الدّنيا بعد الدّين، والسّؤال عنه يوم القيامة بين يدي الله شديد عسير، يقول جلّ من قائل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)).

مقالات ذات صلة