الرأي

الفريق قائد صالح.. ابتسامة نادرة وأخيرة

جمال لعبيدي
  • 3739
  • 2
الشروق أونلاين

ينتمي الفريق قايد صالح إلى فئة الذين لا يحبذ المرءُ إطالة الكلام عنهم لكي يتم التركيزعلى الجوهر مباشرة. وأنا، مثلي مثل الغالبية العظمى من الجزائريين، أقدِّر مكانته ودوره تقديرا أصحّ الآن وقد غادرنا، ذلك أن السياق يمنح لوفاته ملء أهميته. 

الموت هي التي تحوِّل حياة إنسان إلى قدر محتوم. حقا، التوقيت يبدو عجيبا. إنه يغادر في الوقت الذي أنهى فيه مهمته. التاريخ سوف يحكم بالطبع، لكن الأكيد منذ اللحظة هو أنه تصرف كعسكري صاحب شرف، كجنرال جمهوري. قال: “لن تسيل قطرة واحدة من دماء الشعب الجزائري” ووفى بعهده. هذا شيءٌ نادر جدا في تاريخ الأزمات السياسية والاجتماعية ذات الحجم المماثل. وها هو يترك البيت مرتبا، الجزائر برئيس.

هذا الهدف سطره لنفسه وثابر على تحقيقه بصلابة لا تلين، إذ كانت الكلمة المفضَّلة في خطبه هي “الثبات”. لم يتخلَّ عن خارطة طريقه ولو للحظة، باذلا جهودا مضنية خلال أشهر متواصلة وعلى كل الجبهات، متحدثا للشعب والجيش بلا توقف، ساهرا على وحدة الجيش وعلى أخوَّته مع الشعب، مجنبا البلاد الوقوع في أفظع المصائب، وهي الفتنة، الحرب الأهلية، فحتى لو لم ينجز سوى هذه المهمة، لأستحق منا الشكر والمودة، مهما كانت الاختلافات المتعلقة بسياسته هنا أو هناك.

غير أن هناك كذلك العملَ الذي كان يواصل القيام به، في الوقت نفسه، من أجل أن يكون للجزائر جيشٌ حديث، مهنيٌّ ووفي لمُثل نوفمبر العليا، كما كان يقول باستمرار. والآن وقد وافته المنية، تكتسي جميع أفعاله معانيها. هناك أولا نظرته حول الجيش الجمهوري التي كان يريد أن تتجذر من أجل مستقبل أفضل. كثيرون هم الذين لاموه على عدم إقدامه على خلع الرئيس بوتفليقة أثناء العهدة الرابعة. لكننا أصبحنا اليوم ندرك  أنه كان يرفض أداء دور الجنرال الانقلابي وبالتالي موقفه بأن على الشعب أن يتدخل، كما اتضح خلال “الحَراك”.

 وكان قرار الجيش الحاسم بمرافقة الحركة الشعبية يصبّ في الاتجاه نفسه. وهناك أيضا قرار التشبُّث بالحل الدستوري للأزمة، ثم بقية القرارات اللاحقة: لجنة الحوار، السلطة المستقلة للانتخابات وأخيرا تحديد تاريخ الانتخابات. وقد فاجأ هذا القرار الأخير الجميع وظهر للكثيرين بأنه غيرُ قابل للتنفيذ، فتعرض قايد صالح شخصيا لحملة عنيفة للغاية، ومع ذلك احتفظ برباطة جأشه ونال تأييد جزءٍ من الجزائر العميقة. لقد كان، في الحقيقة، يحرِّك الخطوط: فهو، كاستراتيجي عسكري، يقوم بإطلاق حركية معيَّنة وتأتي الوقائع لتحكم له. جرت الانتخابات الرئاسية بالفعل، وبالإمكان إبداء الكثير من الآراء بشأنها، لكنها تمثل، بلا جدال، معلما جديدا على طريق تطور الأزمة.

حينذاك، تقدم الفريق قائد صالح بالتحية للشعب. وعندما أسداه الرئيس الجديد للجمهورية “وسام الاستحقاق”، تبسّم بسمة نادرة وأخيرة، بسمة سعادة، ثم ترك المشهد.

أما كتابة فصول التاريخ التالية، فهي من شأننا، نحن جميعا، في كنف الأخوَّة.

مقالات ذات صلة