-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفكر المُتـرَف إذ يدافع عن الخرافة!

سلطان بركاني
  • 1114
  • 0
الفكر المُتـرَف إذ يدافع عن الخرافة!

كثيرا ما يفاجأ الغيورون على دينهم وهم ينشطون في الدّفاع عن الحقّ وإظهار زيف الباطل وتهافته، ويحشدون من الأدلّة النقلية والعقلية ومن دلائل الواقع ما يكفي لتوعية الغافل وإرشاد الحائر وإقناع المشكّك، بإصرار المترفين فكريا على ليّ الأعناق والاستنكاف عن النّظر في الأدلة والدلائل وعلى التشبّث بالدّعاوى والشعارات، للإبقاء على قناعاتهم التي اكتسبوها بقعودهم عن البحث والتّمحيص والتحرّي وعن استنطاق التاريخ وتصفّح المصادر والفهم الدّقيق للواقع والحاضر.. والأعجب من ذلك أن تجدهم يبدّلون موازينهم وينقضون دعاواهم متى ما دعت الحاجة إلى ذلك!

بعد عقود -أشرفت على العشرة- من سيطرة العلمانية على الإعلام والثقافة وكلّ وسائل التّأثير والتّوجيه، كان طبيعيا أن تسود الثقافة العلمانية في الأوساط العامّة والخاصّة، وينشأ جيل لا يشكّل الدّين محورَ حياته ولا أساس قناعاته، وتبتلى الأمّة بترف فكريّ ينظر حملته إلى الإسلام على أنّه مادّة هلامية قابلة للتمطيط والتشكيل على كلّ المقاسات، وبحسب الأوقات والمواقف والحاجات! ليس في مسائل الحلال والحرام فحسب، إنّما أيضا في مسائل العقيدة وقضايا المفاصلة، حتّى أصبحت أهمّ قضية يقوم عليها الإسلام وهي قضية توحيد الخالق -سبحانه- وإفراده بشتّى صنوف العبادة، قضية مطاطة عند كثير من المجترئين على التنظير، وأمست الطقوس والممارسات التي تأباها الفطرة ويرفضها العقل أعمالا مسوّغة ومبرّرة، بحجّة اختلاف المذاهب والأفهام! ومن المفارقات العجيبة أن تجد -مثلا- من لا طاقة له بكتمان حنقه على الحجاب الواسع السّابغ ومن يصف بعض أشكال الحجاب بأنّها مظاهر بالية تسيء إلى الدّين وتصدّ النّاس عنه! هو نفسه يبرّر الحجّ إلى المقامات وشدّ الرّحال إلى المزارات والمرابطة عند الأضرحة والتمسّح بها، بل لعلّك تجده يبدي تبرّمه من بعض شعائر الدّين، في الوقت الذي يدافع فيه عن الطقوس المنفّرة التي ألصقت بالإسلام، بأنّها ممارسات ينبغي أن تحترم!

في أوساط الترف الفكريّ، تجد من ينكر الغلوّ والتطرّف عندما ينسب إلى مذهب لا يعجبه، كمن ينكر التطرّف والتكفير المتلبّس بأمّة هل السنّة، وهو -لا شكّ- محقّ في إنكاره، لكنّ المفارقة أن تجد هذا الذي ينكر التطرّف هنا بصوت مرتفع، يُعرض ولا يبدي أيّ نكير عندما يجري الحديث عن التطرّف الموجود عند المذاهب الطائفية، مثل التطرّف القاتل الموجود عند الشّيعة.. تجد هذا المترف ينكر التطرّف عندما يكون منسوبا إلى الإسلام، لكنّه يولّي مدبرا عن ساحة النقاش عندما توضع أمامه الأدلة والدلائل التي تثبت أنّ الغلوّ والتطرّف موجود في الملل والنحل الأخرى بصورة أشدّ حدّة وضراوة.

تجد من يستنكر عقائد التمثيل والتجسيم التي تسرّبت إلى بعض المسلمين باسم الإثبات، وله الحقّ في ذلك، ويذهب بعيدا في ذمّ المنسوبين إلى التجسيم إلى حدّ يرفض معه الدعاء لهم بالمغفرة والدعاء لموتاهم بالرّحمة، لكنّه عندما يتعلّق الأمر بعقائد الشيعة القائمة على الشّرك والخرافة وعلى الغلوّ في أئمّة أهل البيت برّأهم الله، تجده يتّهم من ينكر هذه العقائد بالسعي في تشتيت المسلمين وخدمة الأجندات الصهيونيّة! بل قد تجد عنده ما يذهلك من الانفتاح وقبول الآخر عندما يتعلّق بعقائد التثليث الموجودة عند النّصارى، حتّى يذهب بعيدا إلى حدّ الترحّم على من يموت على هذه العقائد المنحرفة، وينشب المعارك الضّارية دفاعا عن رأيه!

هذه الازدواجية التي أصبحت السمة الأبرز لخربشات كثير ممّن أتاحت لهم مواقع التواصل فرصة الكتابة والقعود للتنظير، هي واحدة من إفرازات الثقافة العلمانية التي عشعشت في عقول بعض المسلمين، لأنّ من مخرجات العلمانية الولاء لثقافة الغالب متى لم يكن مسلما يؤمن بالإسلام دينا وحكما، فالعقول الصّغيرة لا تستطيع التخلّص من تأثير القوة المسيطرة والصّوت الأعلى والشعارات البرّاقة! ولولا هذه الثقافة، ما ساغ لعاقل أن ينظر إلى الفيروسات الطارئة على جسد الأمّة على أنّها جزء أصيل من الجسد ويخطّئ الأجسام المناعيّة في سعيها لتحييد تلك الفيروسات!

هذا التشيّع القبوريّ الخرافيّ -مثلا- القائم على الغلوّ الفاحش في أئمّة أهل البيت -برّأهم الله- إلى حدّ إضفاء صفات الربوبية والألوهية عليهم، والمرابطة عند قبورهم وسؤالهم ما لا يملكه إلا الله من سعة الأرزاق وشفاء المرضى، في مقابل لعن وتكفير خيار الأمّة من الصحابة المرضيين والخلفاء الراشدين والهداة الفاتحين الذين شهد القرآن بخيريتهم وبتوبة الله ورضوانه عليهم، والقائم على استباحة قذارات المتعة، وأكل أموال النّاس باسم خمس السيّد، وعلى اللّطم والتطبير وانتظار غائب مرّ على غيبته أكثر من 11 قرنا من الزّمان، شهدت صفحات التاريخ بأنّه لم يكن له وجود في دنيا النّاس! من كان يتوقّع أن يجد هذا التشيّع مكانا له في ساحة الأمّة في مثل هذا الزّمن، لولا بريق القوة الذي ظهر من الدولة القائمة على هذا المذهب، فزاغت به عقولٌ راحت تبرّر قبوله بأنّه تخلّص من شذوذاته، بينما حقيقة الأمر أنّه تخلّص منها في الدّعاوى والشّعارات الموجّهة للاستهلاك الإعلاميّ، وتشبّث بها في طباعة المصادر الأساسية التي تثبّت عقائده المنحرفة وفي برامج الحوزات العلميّة التي يتخرّج منها خطباء المنابر الحسينية، وفي الحسينيات التي يرتادها ملايين الشّيعة في عشرات المناسبات الدينيّة ليسمعوا خطبا تنضح بالغلوّ والطّعن واللّعن، ويجلدوا ظهورهم ويسيلوا دماءهم على وقع أناشيد تهيّج العواطف وتجدّد عقيدة البراءة من خيار الأمّة وتهيّئ النّفوس لليوم الموعود الذي تنقض فيه مُخرجات “السقيفة”!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!