الرأي

الفوضى لا تصنع نصرا..

محمد سليم قلالة
  • 806
  • 5
ح.م

من رأيي، وبعد  الحفل المأتم بملعب  20 أوت، أننا في حاجة اليوم ليس لتحميل المسؤولة لهذا أو ذاك رغم اشتراك أكثر من طرف في هذا الجرم، إنما لطرح سؤال كبير حول طبيعة سلوكنا الحضاري على أكثر من مستوى… عند دخول ملعب كرة قدم، أو حضور حفل غنائي، أو ركوب حافلة، أو طائرة، أو الاصطفاف في طريق مزدحم، أو حتى لشراء الخبز والحليب…هل ظاهرة الفوضى التي نعرف هي نتيجة نظام سياسي كرَّسها في المجتمع؟ أم نتيجة تخلي المجتمع ذاته والأسرة بالتحديد على أداء دور كل منهما في مجال التربية وتقويم السلوك وتنشئة الأبناء وفق قواعد الأخلاق والآداب العامة التي تساهم في صناعة التحضر؟

يبدو لي أنه علينا العودة بالذاكرة  بعض العقود للوراء لنعرف كيف كُنا و كيف أصبحنا و إلى أين نحن سائرون…
غداة استعادة الاستقلال… على الأقل  في تلك الحقبة التي عاش فيها جيلي طفولته، أشهد أن قيم الريف والبداوة والحي الشعبي كانت بالنسبة لنا  أرقى من قيم المستعمِر الغاشم الذي كان يدَّعي الحضارة.

قبل الاستقلال لم يكن أولياؤنا  يتحجَّجون بوجود النظام الاستعماري رغم قساوته وجبروته، ولا بوجود السلطة الاستعمارية بكل ترسانتها القانونية وأدواتها التغريبية، لنُرَبَى نحن الأطفال على  قيم أخرى غير الإسلام والوطنية والانتماء الحضاري، … ومازال جيلنا يذكر كيف كان النظام و الاحترام والتقدير لأهل العلم والاحتكام لأهل الرأي، وكيف كانت المشكلات الأكثر  تعقيدا تُحَحل في مجالس الحكماء والشرفاء ، بما فيها مشكلات الدم …

لماذا وكيف أضعنا كل هذا الرصيد  اليوم؟

يبدو لي أن المشكلة هي بحق مُرَكَّبَة، واختزالها في طبيعة النظام السياسي أو في قهر السلطة للشعب  ليس سوى تبسيط لها،  وعلينا القيام بمراجعة أكثر عمقا لحالنا والسؤال عن لماذا أصبحنا نُطاوع نظاما سياسيا نراه يتحرك ضد قناعاتنا؟

علينا لمعرفة ذلك أن نسأل:كم هم الذين مازالوا إلى اليوم يُرَبُّون أبناءهم على أولوية العلم  على المال، وأولوية العمل على السلطة، وأولوية الحياء على الوقاحة، وأولوية اللِّين على الشدة، وأولوية التسامح على الإنتقام، وأولوية الصدق عل  الكذب، وأولوية الإتقان على  التلفيق، وأولوية القناعة على اللهفة، وأولوية الواجب على الحق، و أولوية التضحية والبذل والعطاء على التخاذل والتقصير والبخل… وقس عل  ذلك بقية القيم…

كم مِنَّا يُطبِّق ذلك على نفسه وعلى أبنائه قبل أن يخوض في حديث واسع عن تغيير السلطة والنظام السياسي وما إلى ذلك.. أظن والحال التي نحن عليها، أننا بدل أن نراهن على تقويم المجتمع انخرط معظمنا في لعبة السلطة أو في لعبة البحث عن السلطة، وكانت نتيجة ذلك أَنْ تَلَوَّن المجتمع بلون السلطة – عكس الحقبة الاستعمارية – حيث كان المجتمع  مواز للسلطة إلى أن انتصر عليها…وعليه فإنه من العسير أن نُبشُِّر بتغيير سريع قادم وفينا مَن مازال يموت تدافعا عند مدخل ملعبٍ، يضم حفلا  لا هو حامل لقيم الأمة و لا ناطق بلغتها،  ناهيك عن أن  يكون فيه دفاع عن دينها  وقيمها الوطنية … بل لن نُبشِّر بأي تغيير  مادام  مجتمعنا لن نقول يواجه السلطة، بل فقط هو موجود  ويتحرك بالتوازي معها…

مقالات ذات صلة