-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القدس في القلب ولكن !!

التهامي مجوري
  • 2202
  • 0
القدس في القلب ولكن !!

أما وجود القدس في القلب، فهي في قلوب أبناء الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها، وذلك لأنها ارتبطت بدين سماوي وبكتاب أنزله الله سبحانه وتعالى على عبد ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وارتبطت بالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء 1]، وارتبطت أيضا بمسرى النبي محمد ومعراجه، وبعبادة من أهم العبادات في الإسلام على الإطلاق، وهي عبادة الصلاة، التي فرضت في رحلة الإسراء والمعراج، التي كان المسجد الأقصى محطة من محطاتها، بل وكانت هذه البقعة هي القبلة الأولى يوم فرضت الصلاة. اما “ولكن” فبسبب المعوقات التي تعاني منها الأمة منذ شروع الغرب في التأسيس للمأساة الفلسطينية، بزرع الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، ليحل هذا الإحتلال محل الميثاق الاستعماري الذي استبد بموجبه الغرب واستعلى واعتدى على عالم المستضعفين من الشعوب الإفريقية والآسيوية، ثم باحتلال القدس والعبث بالمسجد الأقصى بعد ذلك.

إن القدس في القلب ولن تغادره، ما دام في الوجود مسلم واحد؛ لأنها ارتبطت كما أسلفنا بدين وبعقيدة وبتاريخ وثقافة وحضارة، ومن ثم فإن ما يبقى من عالم المسلمين مهما ضعف سيبقي على هذه الجذوة التي لن تنطفئ، ولكن لتنمية هذه الجذوة لا بد من العودة إلى تاريخ هذه القضية في الحراك العربي الإسلامي ومقاومته للإستعمار منذ القدم، منذ الحروب الدينية الصليبية، إلى حركات المقاومة التحررية التي خاضتها الشعوب ضد الاستعمار الغربي، وإلى يوم الناس هذا، بجميع أشكال وأنواع المقاومة والصراع.

لقد كانت علاقة المسلمين المغاربة –المغرب العربي- بالقدس إضافة إلى ما عرف عن علاقة المسلمين بها “أن من يحج ولا يقدس ربما كان في حجه نظر”، وذلك للقيمة التي يحملها المغاربي عن الأقصى وقيمة الصلاة فيه استنادا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم،”لا تشد الرحال إلا إلى مساجد ثلاث… أحدها المسجد الأقصى”.

كما كانت علاقة أهل العراق والشام ومصر أيضا بنفس المستوى وأزيد، سواء كأرض مستعمرة اغتصبت من أيدي أهلها وهجروا منها، أو أرض مقدسة لها حرمات استبيحت، وكذلك أهل الخليج وسائر المسلمين في العالم؛ بل وغيرهم من الشعوب المحبة للعدل والسلام والحرية. 

ولعل هذا القدر من الحد المشترك بين هذه الشعوب هو سر صمود الفلسطينيين المقدسيين طيلة عقود التخلي العربي عن القضية الفلسطينية، ولا يزالون هم المرابطون والمنافحون والمقاتلون من أجل حماية الأقصى؛ بل إن المقدسيين فجروا انتفاضتين كبيرتين تعدان من أهم صيغ المواجهة والمقاومة الفاعلة، عندما تتباين موازين القوى وتختل، منذ بداية اتفاقيات كامب ديفيد، ثم اتفاقيات أوصلو، ومشاريع التطبيع العربية اليهودية المشؤومة؛ وهم اليوم مرشحون لإشعال انتفاضة ثالثة إذا لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه ما يفعل اليهود بالأقصى، ولكن إذا انفجر الوضع هذه المرة لن يكون كالسابق، وإنما سيتحول الوضع إلى حرب دينية، بعدما تستنفذ “فكرة داعش” مهمتها في الشرق الأوسط، وتستيقظ شعوب المنطقة فتعود إلى ترتيب أولوياتها الوطنية والإقليمية كما كانت مرتبة في مشاريع الحركة الاستقلالية في القرن الماضي .

إنني متيقن من ذلك كما أرى هذه الكلمات التي أكتبها؛ لأن التعلق الديني والثقافي والحضاري، هو الذي سيبقي على القضية حية؛ بل إن المسجد الأقصى سيبقى هو “الترمومتر” والمقياس الصحيح لمعرفة حجم ومستوى فاعلية من يحتضن القضية الفلسطينية ومن يتخلى عنها، فمن لم يهتم بالقدس والأقصى فلن يكون له ولاء لفلسطين وإن ادعى ذلك، ولو كان هذا المدعي فلسطينيا.

وإنني كمسلم لا أتصور ضياع فلسطين، إلا كتصوري لضياع البيت الحرام واحتلال المدينة المنورة؛ لأن العلاقة بين الأرض التي أرادها الله مقدسة، والأرض التي شاءها محرمة، علاقة عضوية لينفك بعضها عن بعض، والتفريط في بعضها يؤدي حتما إلى ضياع كلها، وإذا كنا نحن الآن في مستوى من التدني الخذلان قد يغلب علينا تصور ضياع الحرم أكثر من إمكانية تحرير الأقصى، فإن قانون التاريخ لا يعبأ بالمتخاذلين، وسيأتي الله بقوم يحبون الحق وينصروه فيؤيدهم.

ورغم أن تعلق مسلمي العالم بالقضية وبالقدس تحديدا بدأ يخفت شيئا فشيئا منذ احتلال اليهود للقدس سنة 1967، بسبب الانقطاع عن المسجد الأقصى، حيث منع المسلمون من دخولها مذ ذلك التاريخ، كما تراجع الاهتمام بها بسبب المعاهدات الاستسلامية المتتالية، إلا أن من بقي بها من الفلسطينيين، لا يزال يحمل نفس الشعور الذي اختفى من قلوب الكثير من المسلمين بسبب ذلك الانقطاع الاضطراري، وذلك الاستسلام المتعدي من الأنظمة إلى الشعوب. وأما هذا التراجع الرسمي الرهيب والتخاذل الشعبي عن القضية، اغتنم اليهود هذا الضعف وشرعوا في العبث بالمسجد الأقصى، بحرقه واقتحام ساحاته وتشويه معالمه وأخيرا بتقسيمه زمانيا ومكانيا، حتى أن مشاريع تقسيم القدس إلى شرقية وغربية، كادت تتقرر كخريطة نهائية ويقبل بها المتخاذلون،  وكلما فعل اليهود فعلا وتأكدوا من ان الضمير العربي لم يعد بذلك المستوى الذي كانت عليه الأمة من قبل، كلما أمعنوا في الاقتحام والاعتداء والعبث بالمقدسات كما تقرر في مشاريعهم الاستيطانية، ومع كل هذا الهوان ستبقى القدس باعتبارها قلب القضية الساكن في قلوب المؤمنين بالله، والمعلم الذي تحفظ بفضله القضية الفلسطينية برمتها.

أما هذا الهوان العربي المتآمر المتخاذل..، فلا بقاء له عندما تستعيد الشعوب مكانتها، كشعوب حرة لا تقبل الضيم والظلم، فتتخلص من بقايا الهزائم النفسية التي زرعتها فيها حكوماتها البائسة وتشعر بما عليها من واجبات تجاه قضايا الأمة.

إن اليهود لن يتخلوا عن القدس، كمطلب ديني تاريخي، ولو أدى ذلك إلى حرب دينية كما كانت أيام الحروب الصليبية، وسيلعبون على الزمن ظنا منهم أنها ستموت القضية بقتل مثيراتها، وأهم مثيراتها التعلق الديني بالقدس والمسجد الأقصى، ذلك ان مدينة القدس والمسجد الأقصى تحديدا، من المعالم التي لها علاقة بالديانات السماوية كلها، كما فعلوا مع النصارى الذين حيدوهم من المعركة، عندما برأهم البابا من قتل المسيح، واستبعد الكاثوليك من الصدارة، فلم يعد للنصارى مشكلة مع اليهود لا في فلسطين ولا في غيرها، وبقي المسلمون لا بد من تحييدهم هم أيضا، فبعدما حيدوهم سياسيا، بالمفاوضات ومشاريع التقسيم والقرارات الدولية الجائرة، بحيث لم يعد يشعر العربي والمسلم بواجب عليه في القضية الفلسطينية، ها هي الأمور الآن تسير في اتجاه تحييد المسلمين دينيا في قضية الأقصى، وإذا لم يتعامل الفلسطينيون والمسلمون عموما بنفس المنطق، فيتعلقون بالقدس كقضية دينية تاريخية، فإن القضية الفلسطينية نفسها لن تجد لها طريقا إلى الحل، وسيبقى المجتمع الدولي حامي حمى اليهود ولو كان ذلك بتغيير خارطة المنطقة، باسم الشرق الأوسط الجديد أو ما يأتني بعده من مشاريع، لها أكثر من مبرر معد سلفا.

إن المعتقد الديني للمسلمين في القضية لن يتغير وإن بدا متغيرا امام هذه الإكراهات المتنوعة، حتى وإن تخلى عنها الفلسطينيون لا قدر الله؛ لأن القضايا الدينية، قد يهملها البعض جهلا، او تهاونا في التعاطي معها، بسبب ضعف التدين أو عدم إدراك الأبعاد الثقافية، التاريخية، الدينية للموضوع، ولكنها لا تموت لا بسبب الجهل ولا بسبب التجاهل، ولا بسبب الخيانة؛ لأن الدين عقيدة لا يموت أهلها إلا بزوال الدين ونهاية الكون.

يتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • Zengratino

    (El Qods sera libéré le jour ou les arabes reprendront le chemin d ou ils étaient venus ( le quart vide

  • بدون اسم

    القدس في القلب و لكن العين بصيرة و اليد قصيرة لا تشغل بالك للقدس رب يحميه

  • نورالدين الجزائري

    طوروا أسطولهم بشكل رهيب عجيب و حضاري فاجأ الجميع ، عكس حالنا و دار لقمان على حالها !
    نحن بحاجة لنحرر عقولنا من تراكمات تاريخية رسبت في مفاهيمنا و هي جمة معقدة و كثيرة ، و لكن لابد أن نبدأ بأنفسنا الرجوع إلى القيّم ثم العلم الشرعي و المادي لنبصر الطريق كيف نتحرك .. لا نصحى حتى نفهم أن الرافعة لم تقتل الحجاج بل الذي نصبها خطأ هو القاتل ! حتى ندرك أن قتلى رمي الجمرات هو سؤ التنظيم الكارثي فاضح و معيب!! و ليس كما كتب أحد ـ المثقفين ـ أنه يذكرنا بيوم القيامة !!! ماهذا الهراء كفى من الكذب المُجَهل!

  • نورالدين الجزائري

    بروح التلمود التي تعني: منبع الروح التدميرية ! أما الواجهة يستعملون التوراة و الحائط المبكي بدور فائق الذكاء و الحيلة ! و هم بصراحة أقوياء في مجال العلم سبقونا باعا طويلا، الذي يجب معرفته هو كيف أغير من حالي، ليس من المعقول أن أقتال عدوي بسيف من خشب و هو حامل لسلاح من الليزر ؟!! هذه القصة تذكرني بإنهيار أسطول البحر المتوسط الجزائري الذي كانت السفن العالمية تعطيه الجزية لتمر، و لكن في معركة نافرين 1827 جنوب اليونان في معركة مع أسطول الغرب لم يستطيع أن يقاوم لفتر 20 دقيقة و كأنها حرب على مغر شرطة!

  • نورالدين الجزائري

    أعناقهم . و اليهود لم يغتصبوا فلسطين بالمفهوم الديني السائد أبدا ! جميع أعضاء اليهود في مؤتمر بازل بسويسرا كانوا ملحدين ما معنى هذا ؟ إن بروتوكولات حكماء صهيون تعني: عصابة كبراء اليهود السرية ، كانت تتحرك خفية أثناء الثورة الفرنسية و نشطت في روسيا القيصرية ، و كبيرهم : تيودور هرتزل كان ملحدا ينكر وجود خالق ! و أخطرهم : اسرغنتربرغ اسمه القلمي و هو : أحدهاعام يؤمن فقط بروح اليهود العنيفة ! و حكام إسرائيل لهم نفس الإعتقاد كأسلافهم أصحاب مؤتمر بازل 1897م ملحدة لا تؤمن حتى بالتوراة كانت و مازالت مشبع

  • نورالدين الجزائري

    ليس لتحرير القدس بوليس لتحرير فلسطين بل لتفتح لنا بعض الحريات في عقولنا لنرى ما وراء ستار التاريخ المزوّر و ما آل إليه حالنا المزري ! إن الحرب ـ و هي حاليا عداوة فقط ـ بين المسلمين و اليهود على أرض إغتصبوها غزاة ، و ليست حرب عقيدة و لا دينية على الإطلاق، هؤلاء القوم مستدمرين طردهم يكون بنفس القوة التي إستعملوها في دخولهم عليها عنوة ! أما أنهم يهود أو بوذيين أو ملحدين.. هذا شأنهم الله تعالى لم يجعلنا وصايا عليهم بقدر ما جعل لنا الدفاع عن مقدساتنا و أراضينا مشكلتهم أن يؤمنوا أو يذهبوا للجحيم هي في

  • نورالدين الجزائري

    و ما القدس إلا عضو من جسم فلسطين الأسير !
    كان القدس أول قبلة للمسلمين ، و هو قطعة من بلد اغتصبه غزاة ، و لا أرى أين المصلحة في سيلان حبر أقلامنا في الحديث عن تحرير القدس لتكون حرية مقيّدة بإحتلال بلد بأكمله ؟ ماذا يعني فك قيّد جناح عصفور و هو في القفص يدور ؟ و رجل حر في كوخ خير من عبد في قصر . مكانة المسجد الأقصى في ميزان الشرعي لها تلك الأهمية التي لا تصل إلى نقص أحد أركان أو قواعد الإسلام و الإيمان ، هذا لا ينقص من مكانة المسجد في قلوب المسلمين ، و لكن أريد أن أذكر بعض المفاهيم قد تكون مفتاح