المجاهد لخضر بورقعة.. ثائر حتى الممات

جاء الاحتفال بذكرى الاستقلال والشباب فرصة لتذكر عدة وجوه قدمت الكثير للبلاد بمنطق السلاح وبلغة المواقف، من بينهم الرائد لخضر بورقعة الذي لا يزال يحظى باحترام رغم وفاته مطلع شهر نوفمبر من السنة الماضية، حيث احتفت به قناة الميادين في شريط وثائقي من جزأين، سمح بالوقوف على جوانب هامة من مساره النضالي ومواقفه اتجاه الثورة التحريرية، والتطورات التي حصلت بعد الاستقلال، إضافة إلى إسهاماته وآرائه بخصوص الحراك الوطني الذي عرفته البلاد شهر فيفري 2019.

الوثائقي الذي أنتجه عبد الكريم رزقي وأخرجه الصحفي مراد أوعباس يلامس السيرة الذاتية للراحل لخضر بورقعة كأحد أهم قادة الثورة، فقد أجمع مجاهدون وباحثون ممن قدموا شهاداتهم في الشريط الوثائقي الذي بثته قناة الميادين حول الرائد بورقعة “رجل الثورتين”، بأنه يعد أحد رموز الثورة والمقاومة، بناء على مساره خلال الثورة التحريرية من العام 1956 إلى نيل الجزائر استقلالها صائفة 1962، بحكم أنه تدرج مجاهدا بسيطا وصولا إلى ارتقائه كواحد من أركان الولاية الرابعة، وحسب كريم رزقي الذي يعد أحد الفاعلين في إنجاز هذا العمل الوثائقي فإن الرائد لخضر بورقعة بقي ثوريا حتى وافته المنية، مضيفا أن طاقم العمل حرص على استغلال خزان معلوماته وأرشيفه وتجاربه التي تم توثيقها في تسجيلات تضمنت 30 ساعة معه ومع قيادات أخرى، وهذا من باب الوقوف على تفاصيل تاريخية تخص مسار الثورة وجوانب أخرى عرفتها البلاد بعد الاستقلال، وأوضح كريم رزقي بأن المجاهد الراحل الرائد لخضر بورقعة يمثل النموذج الوطني الإنساني الأصيل، بدليل أنه بقي وفيا لمواقفه حتى وافته المنية، كما أنه اختار الوقوف مع الشعب منذ الاستقلال، بحكم أنه استقال من البرلمان بعدما وقف حسب تصريحات سابقة على “وجود انحراف في مسار الثورة”، واستمر نهجه الساعي إلى التغيير والحفاظ على مصلحة الجزائر والجمع بين الأجيال حتى وافته المنية.

وحمل الشريط الوثائقي الذي بثته قناة الميادين حول مسار الرائد لخضر بورقعة عدة جوانب محطات في مساره، وهذا انطلاقا من مساره الثوري وصولا إلى الحراك الوطني الذي عرفته البلاد شهر فيفري 2019، حيث كانت حسب المتدخلين مواقف واضحة مع عدة قضايا وأحداث حاسمة، من ذلك مخلفات مؤتمر طرابلس الذي لا يزال ملفه مفتوحا، بعد انقسام رفقاء السلاح، حين اختار البعض تلمسان واختار بوضياف وكريم بلقاسم تيزي وزو، وهو ما ذهب إليه العقيد يوسف الخطيب الذي أكد بأن مؤتمر طرابلس خلف انقسامات بالجمة في هذا الجانب، ما جعل حسب بعض المتدخلين قيادات الثورة تخفق في أول امتحان وهو امتحان التوافق.

وإذا كان الرائد لخضر بورقعة عانى الكثير، وسدد فاتورة مواقفه اتجاه مخلفات الثورة وتبعاتها بعد الاستقلال، ما كلفه السجن والتعذيب، إلا أن ذلك لم يمنعه من البقاء وفيا لمواقفه المبنية أساسا على مراعاة مصلحة البلاد والوقوف إلى جانب مطالب الشعب، وقد ترجم ذلك مجددا خلال الثورة السلمية التي ميزت الحراك الوطني فيفري 2019، وكان إلى جانب الشباب وجميع فئات المجتمع، ورغم أن مواقفه وتصريحاته كلفته السجن وحتى الإساءة إلى سمعته وتاريخه الثوري، إلا أنه حاول تجاوز كل الحملات التي استهدفته، وبقيت تدخلاته وتصريحاته تصب في خانة الحفاظ على الوحدة الوطنية، وهو الذي قال كلمته التاريخية ناصحا جموع الشباب والشعب “بالاك تكرهوا بلادكم.. التغيير سيأتي بإذن الله”.