الرأي

المذبحة وحمّالات الحطب

حسين لقرع
  • 4322
  • 15

يحق لكل أحرار العالم أن يبكوا بدل الدموع دماً، وهم يرون الجيش المصري يطلق النار على المدنيين العزّل وهم بين يدي ربهم في صلاة الفجر، يصلون آمنين خاشعين، لاعتقادهم أن هذا الجيش، إن لم يحمِهم كما فعل مع الغوغاء والفلول في ميدان التحرير، فهو لن يجرؤ على الأقل، على إطلاق الرصاص الحي عليهم، غيلة وغدراً وكأنه يقاتل عدوا خارجيا غزا أرض الكنانة.

   إنها مذبحة مروِّعة وجريمة ضد الإنسانية؛ فوظيفة الجيش هي حماية المواطنين من أي عدو خارجي وحفظ الوطن والدفاع عن سيادته وسلامته الترابية، وليس تصويب سلاحه إلى صدور الشعب وإطلاق النار على المتظاهرين العزّل دون تفريق بين امرأة وشيخ وصبي رضيع.

    بأي منطق يرشق الجيشُ المصري فلولَ ميدان التحرير والعلمانيين بالأعلام من الطائرات، تعبيراً عن التضامن معهم وتأييد مطالبهم في الدعوة إلى إنهاء الشرعية، بينما يرشق المعتصمين أمام ثكنة الحرس الجمهوري بالرصاص الحيّ وهم يصلُّون؟

   لا تفسيرَ لذلك، إلا أن هذا الجيش قد فقدَ صوابه وتحوّل إلى ميليشيا وضعت نفسَها في خدمة الفلول والأقلية العلمانية، وأداة لقمع الأغلبية الشعبية المدافِعة عن الشرعية.

   والمؤلم أنَّ العزّة بالإثم قد امتلكت البغاة الظلمة، فلم يعترفوا بذنبهم وزعموا أنهم ارتكبوا المجزرة “دفاعاً عن النفس ضد جماعة إرهابية هاجمتهم بالأسلحة؟” فهل كان الصبية الستة الذين قُتلوا في المجزرة “إرهابيين؟” هل الرضيع المقتول الذي لا يتجاوز 6 أشهر من عمره “إرهابيٌ” وكان يحمل رشاشاً ليقاتل به الجنود؟

   أما الأكثر إيلاماً، فهو ظهور إعلاميي الفتنة في فضائيات التحريض الرخيص، وتحميلهم الإخوان مسؤولية هذه المجزرة دون أدنى حياء لأنهم “اعتصموا أمام منشأة عسكرية”، لا بل إن التبجّح والوقاحة والنذالة ذهب بهم أكثر من ذلك حينما زعموا أن بعض الإخوان قد ضحُّوا ببعض رفاقهم في هذه المجزرة بهدف “إحراج الجيش وتأليب المصريين والعالم ضده”، تماماً مثلما قالوا في 12 نوفمبر 2009، إن بعض اللاَّعبين الجزائريين هم الذين ضربوا رفاقهم بالمطارق الحديدية للحافلة بهدف كسب المباراة دون لعبها، بينما تجرّد مرتزقة إعلاميون آخرون من إنسانيتهم، وأظهروا شماتتهم الواضحة في الضحايا، ولم يتورع بعضهم عن القول بتبجّح وصفاقة: “هذا أوَّل درس للإخوان المجرمين؟”. 

   إنه إعلام “البلْطجة” والبغي والنذالة والتضليل وقلب الحقائق والدفاع عن المجرمين والوقوف مع الجلاَّد وتشويه صورة الضحية وتحميله مسؤولية ما يلحقه من مآس وظلم وقهر، ولا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية ووأد الفتنة في مصر، قبل لجم هذا الإعلام التحريضي الحقير وحمله على احترام أخلاقيات المهنة وضوابط العمل الإعلامي النزيه.

   كان على الجيش أن يتفطّن منذ البداية إلى أن الزجّ بالبلد في أتون العنف والحرب الأهلية لن يخدم في النهاية سوى الأطراف الخارجية، التي تراهن على تكسيره بعد أن تمّ من قبل تحطيمُ جيش العراق، ويجري الآن العمل على استنزاف الجيش السوري وإنهاكه، ولكن هل بقي مكانٌ للعقل والتبصّر وبُعد النظر و”حمالات الحطب” وأبواق الفتنة والتحريض الحاقد تنفخ باستمرار في نار الفتنة؟

 

    أما الإخوان فالواضح أنهم خرجوا من هذه المحنة الجديدة أكثر شعبية، وأكثر قوة وتصميماً على تحقيق مطالبهم المشروعة، وأكثر صموداً وإصراراً على بلوغها مهما كان حجم تضحياتهم والمؤامرات التي ستُحاك ضدهم والمجازر التي قد يتعرّضون لها لاحقاً لا قدّر الله.. قدرُ الإخوان أن يصبروا ويثبتوا ويواصلوا مظاهراتهم واعتصاماتهم السلمية إلى غاية عودة الشرعية ودحر الانقلابيين وتقديمهم إلى المحاكمة، وإعادة الجيش المصري إلى الثكنات ليؤدي وظيفته الدستورية، وما النصرُ إلا صبرُ ساعة.

مقالات ذات صلة