الرأي

المغرب وتونس.. على صواب!

خلال لقاء رسمي مغربي فرنسي، جرى سنة 1983، انفرد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، بالرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوان ميتران، وفاجأه بطلب، بدا غريبا إلى درجة النكتة بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، بينما كان الملك المغربي في قمة الجدّية وهو يطرح طلبه، المتمثل في انضمام المغرب إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى كل التكتلات السياسية والاقتصادية الأوروبية. الرئيس الفرنسي نأى بجانبه، وظن أن زميله الملك يمزح، أو ربما أصيب بالخرف، ولكن الملك أصرّ على طلبه، ودخل في نقاش ساخن مع ميتران، تساءل فيه عن سبب قبول تركيا الآسيوية، ورفض المغرب الإفريقية، وبالرغم من محاولات الرئيس الفرنسي، إفهام الملك أن الجغرافيا لا تساعد المغرب لأن يكون أوروبيا ولو اقتصاديا وسياسيا، إلا أن الملك بقي يدافع عن “حلمه”، بالقول تارة إن مناخ المغرب أكثر “أوروبية” من مناخ اليونان، وتارة أخرى أن مضيق جبل طارق يمكن أن يمدّ جسرا رابطا بلاده بإسبانيا.
وإلى غاية بداية الألفية الحالية، لم تكن الفنادق والمركبات السياحية التونسية في مدن الحمامات وسوسة وطبرقة وجربة ترفع إطلاقا العلم الجزائري، في الوقت الذي ترفع أعلام الدول الأوروبية التي كان سياحها يزحفون بالملايين على تونس.
واضح أن كل بلد في المغرب العربي، يبحث عن مصلحته الخاصة، أما حديث الصداقة والأخوة فهو في البروتوكولات، وللاستهلاك الإعلامي أو بسبب اللسان ولون البشرة فقط، كما يحدث في كل بلاد العالم.
بعض الجزائريين أغضبهم سعي المغرب سرا لاحتضان منافسة كأس العالم، بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، وليس مع الجزائر وتونس، وأقحموا “الأخوة والجيرة” في الحكاية، بالرغم من أن التاريخ أبان عن كون المغرب لا تختلف سياستها عن سياسة “كمال أتاتورك”، الذي كان يعلن صراحة أن تركيا يُسعدها أن تكون ذيلا في أوربا ولا تكون رأسا أو قلبا في بلاد المشرق، وبعض الجزائريين أغضبتهم المعاملة السيئة التي لاقوها في الكثير من الفنادق التونسية هذا الصيف، بعد عودة السياح الأوروبيين إلى تونس، عندما اكتشفوا أن ما في جيوبهم هو الأهم بالنسبة إلى المتعاملين التونسيين في السياحة ولدى أصحاب الفنادق، وأنهم في درجة متدنّية وربما من دون درجة، مقارنة بالسياح الأوروبيين.
الحقيقة أن الجزائر هي المخطئة في الحالتين، فلا نفهم لماذا لا ترفع التحدي وتعلن عن ترشح منفرد لاحتضان كأس العالم بتغيير المسؤولين وتغيير الذهنيات وتحسيس المواطنين بقيمة التحدي حتى ولو خسرت الرهان، ولا تربط نفسها ببلد، أثبت دائما وأعلنها صراحة أنه لا يرغب في أي وحدة إلا مع الأوروبيين، ولا نفهم ما الذي ينقصها لتبني سياحة تخطف بها سياح العالم، حتى لا تقدّم في كل سنة ثلاثة ملايين مواطن على طبق من فضة، لفنادق تونسية تشرب مالهم وتقذفهم بسوء المعاملة.
تذوّقت الجزائر على مدار التاريخ لوحدها مُرّ المعاناة، من سنوات الاستعمار إلى العشرية السوداء، فكانت تذرف الدموع لوحدها ولا يجد أنينها أي صدى، في أي مكان، وعندما يمنّ الله عليها ببسطة من المال تنثره بحكوماتها وبشعبها على الآخرين، حتى لا تعلم يمينها ما أنفقت شِمالها.
عندما يقترح وزير جزائري تنظيم المونديال مع المغرب التي لم يخطر على بالها هذا الاقتراح ولم تسع إليه أبدا، وينصح وزير جزائري للسياحة أبناء وطنه بالتوجه إلى الفنادق التونسية، التي لم ترفع علما جزائريا إلا عندما اعتصرتها أزمة هروب الأوروبيين، عندما يحدث هذا، نتساءل: من المخطئ في القضية ومن على صواب؟

مقالات ذات صلة