-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية الدكتور نسيم بلهول لـ"الشروق":

المقاومة تقوم بحرب عصابات وتطمح لأن تنقلب إلى حرب تحرير شعبية طويلة الأمد

المقاومة تقوم بحرب عصابات وتطمح لأن تنقلب إلى حرب تحرير شعبية طويلة الأمد
أرشيف
الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية الدكتور نسيم بلهول

يفكّك أستاذ العلوم السياسية بجامعة البليدة 2 والباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، نسيم بلهول، مآلات العملية البرية للجيش الصهيوني في غزة، وقدرات المقاومة الفلسطينية على ردها. ويؤكد مؤلف كتب “إدارة المعضلة الأمنية”، و”حرب العصابات الجديدة من النظرية إلى التكتيك”، و”المدخل إلى العلوم العسكرية”، أن الكيان الصهيوني سيعتمد إستراتيجية العنف الدموي المتدرج كخيار تكتيكي مرحلي، على أن تنتهج المقاومة حرب عصابات، والتي تطمح من ورائها لأن تنقلب إلى حرب تحرير شعبية طويلة الأمد.

ما هي توقعاتك بشأن العملية البرية التي يلوح بها جيش الاحتلال في قطاع غزة؟
أولا، لا بد من المرابطة على حقيقة تقضي بكون العقيدة العسكرية الصهيونية فاقدة لعنصر البسالة والجرأة الحربية، خاصة ما يتعلق منه بعنصر المبادأة عندما يتعلق الأمر بخوض المعارك على تفاصيل ضيقة من مسارح عمليات برية، فإذا كان الإنسحاب التكتيكي يحتاج شجاعة تفوق الشجاعة اللازمة للهجوم، فإن متلازمة البقاء على قيد الحياة والخوف من الموت هي معادلة مربع المناورة والديناميكية العسكرية الصهيونية، ما يحول دون الإنخراط في مثل هذه المجازفة العملياتية البرية في القطاع أو غيره.
لهذا، من شأن جيش الكيان أن يبقي إستراتيجية العنف الدموي المتدرج كخيار تكتيكي مرحلي، من خلاله سيظهر الأمر في شكل حلقة من حلقات استخدام العنف المحدود لتحقيق مثل هذا العنف المتدرج، بعد أن فشلت الحرب الباردة وأساليب الضغط والتهديد، والتلويح بالقوة، والعمليات الإنذارية في ثني إرادة الشعب الفلسطيني، ومنعه من دعم واحتضان مخرجات المقاومة بكل صورها وأشكالها.
غير أنه، كل من يفكر بأن المقاومة، في واقعها الراهن، قادرة على صد هجوم كاسح مدرع وجوي عبارة عن شخص يجهل طبيعة عمل العصابات، أو يتعلق بأوهام رسمها لنفسه بعد أن وقع فريسة رومانسية وسائل الإعلام العربية التي لم تبدّل الكثير من أساليبها.

ومادام الأمر كذلك، فما هي مهمة رجال المقاومة الرافضين لمنطق الهزيمة؟ وما هو دورهم عندما يحاول جيش الكيان التقدّم على البر الفلسطيني، مستخدما تفوقه بالعدد والعدة؟.
إن سرايا المقاومة تقوم اليوم بحرب عصابات تطمح لأن تنقلب إلى حرب تحرير شعبية طويلة الأمد، ومن الطبيعي أن تطبّق أساليب حرب العصابات ومبادئها، وأن لا تخرج عن هذه المبادئ إرضاء لنزوة أو تلبية لهوى، لأن الخروج عن قوانين الحرب، سواء كانت حربا تقليدية أم حرب عصابات، يعني الإضطرار إلى دفع ضريبة غالية، تفقد الحافز على هذا الخروج كل معناه، وتقلب الإيجابيات المنتظرة إلى سلبيات يصعب إصلاحها.
ومن المعروف أن العصابات تطبق، خلال قتالها ضد عدو متفوق، ست قواعد تحدث عنها ماوتسي تونغ وجعلت منها أسس إستراتيجيته وطبقتها العصابات الثورية بنجاح في العالم أجمع، ويهمنا من هذه القواعد هنا قاعدتان هما معوقين تكتيكيين يحولان دون توغل وتقدّم جيش الكيان بريا، والأمر يتعلق بكل من:
– الإنسحاب أمام تقدّم العدو انسحابا يتجه نحو المركز.
– التقدّم أمام عدو متراجع.
من الطبيعي أن تسير سرايا المقاومة على هدي هذه الأسس طالما أنها لا تزال حتى يومنا هذا أضعف ماديا من جيش الاحتلال، وتحاول جهد طاقتها قلب ميزان القوى لصالحها بفضل إستراتيجية غير مباشرة، وحرب طويلة الأمد، تعتمد من خلالها على تلاحم المقاومة مع الشعب، وتحلي رجالها بقوة معنوية نابعة من وعيهم الثوري وعدالة حربهم ضد المغتصبين، بالإضافة إلى الاستفادة من طبيعة الأرض الوعرة التي تمنع استخدام التفوق التقني حتى حدوده القصوى.
وهكذا، فإن الدفاع المرن الفعّال، المبني على الطلعات التعرضية والغارات المستمرة أمام العدو المتوقف، والتراجع الإرادي، والهجمات المعاكسة المحلية أمام العدو المتقدم والمطاردة الحثيثة، والكمائن المتواترة، وعمليات الإعاقة والإزعاج أمام العدو المنسحب، هو الدفاع الذي يمكن للعصابات أن تتبناه لتضرب عدوها بتعقل وفي الوقت الملائم، بشكل يجعلها قادرة على الاستمرار في القتال أطول وقت ممكن وتكبيد العدو خسارة بأقل عدد من التكاليف، وهي أمور تدركها جيّدا قيادة أركان جيش الاحتلال.

هل تواجد ضباط أمريكان ضمن قلب صناعة القرار في جيش الاحتلال معناه عدم قدرة جيش الاحتلال على تنفيذ عملية عسكرية؟
بالتأكيد، فبناء على ما قيل سابقا، وفي الوقت الذي كان جيش الاحتلال يتأهب في ظل ارتياب إستراتيجي مهم لغزو قطاع غزة، لم يتلق من الحكومة ولا من واشنطن، التي تحشد جيوشها لتحرير الرهائن الأجانب، ناهيك عن إعداد قوات الكوماندوس الصهيونية لحرب من المتوقع أن تكون صعبة للغاية، الضوء الأخضر لتنفيذ الهجوم.
فالكثير من كبار الضباط الأمريكيين هم حاليا متواجدون بتل أبيب من أجل تقديم المشورة لقوات الدفاع الصهيونية، مستفيدين في ذلك من خبرتهم في ظل قوات المشاة البحرية الأمريكية في خوض الحروب غير المتكافئة في المناطق الحضرية حيث يختبئ الإرهابيون بين المدنيين كما هو الحال في غزة، بطبيعة الحال، هي الصورة التي ينطلقون منها عند التعامل مع واقع المقاومة على أي أرض مناهضة للتواجد الصهيوني.
إن وجود هؤلاء المستشارين العسكريين الأمريكيين هو رمز للعلاقات العسكرية الوثيقة للغاية بين الطرفين، حيث تقوم الولايات المتحدة، وبشكل فعلي، بتزويد تل أبيب بأسلحة دفاعية لصد صواريخ “حماس”، وبأسلحة هجومية لقصف عناصر المقاومة في قطاع غزة (تحت ذريعة الحرب الموسّعة على الإرهاب)، حيث تم حشد ما يقارب الـ2000 جندي أمريكي في المنطقة ووضعهم في حالة تأهب، علما أن الكيان يمتلك واحدًا من أفضل الجيوش تجهيزًا في العالم، وذلك بفضل، ولو بشكل جزئي، المساعدات العسكرية الأمريكية التي بلغت في السنوات الأخيرة ما يقرب من 4 مليارات دولار سنويًا في السنوات الأخيرة. حاليا، تريد واشنطن الإفراج عن مساعدات إضافية تزيد قيمتها عن 14 مليار دولار لصالح الكيان.
هذا الدعم يأتي بالتوازي مع الضرورات الأمريكية الإستراتيجية في المنطقة، والتي تقضي وأهمية تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط بسبب التصعيد الإيراني والقوات/ الأذرع التابعة لها في المنطقة، حيث أعلن، وبشكل صريح، وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أنه سيتم نشر نظام دفاع مضاد للصواريخ على ارتفاعات عالية (ثاد) بالإضافة إلى عدة بطاريات من صواريخ “باتريوت” أرض – جو في جميع أنحاء المنطقة. حيث سيتم وضع قوات عسكرية أمريكية “إضافية” في وضع “ما قبل الإنتشار” من أجل زيادة جاهزيتها وقدرتها على الرد بالسرعة اللازمة. كما أكد في وقت سابق أوستن أن تلك الإجراءات ستعمل على تعزيز جهود الردع الإقليمية، وزيادة حماية القوات الأمريكية في المنطقة والمساهمة في الدفاع عن (إسرائيل).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى نه سنة 2018، انخرط كلا من الجيشان الأمريكي والصهيوني في سلسلة “تدريبات جونيبر كوبرا” على حماية الكيان، تشبه الإنتشار الفعلي للقوات الأمريكية على ما يزعم أنها أراضي الكيان في زمن الحرب، فهما يستعدان لاحتمال القتال “جنبًا إلى جنب” في هجوم واسع النطاق على الكيان.

هل يمكن أن يتكرر ما جرى في الفلوجة وأفغانستان هذه المرة؟
يمكن أن يتحول الغزو البري للقطاع – في حالة ما تقرر تنفيذ ذلك – إلى واحدة من أعنف حروب الشوارع منذ الحرب العالمية الثانية، خاصة بسبب تعقيد البيئة الحضرية، لتصبح المعارك شبيهة بسلسلة المناورات النارية. في الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2016 أو أثناء القتال في الفلوجة (العراق) عام 2004م.
فحالة الفلوجة مثلا، كانت أفظع معركة واجهتها القوات الأميركية منذ فيتنام، فضلا عن الاشتباكات التي استمرت تسعة أشهر لهزيمة تنظيم داعش في الموصل، كان ذلك في عام 2016، وتسبب في مقتل 10 آلاف مدني. وهي أمور من شأنها أن تضاعف من نسبة وحجم النتائج المدمرة، وربما بشكل كبير، علما أن حماس تنشر عددا من المقاتلين يزيد بثلاثة إلى خمسة أضعاف – ربما 40 ألفا في المجمل – عما لدى داعش في الموصل. ويمكنها أن تستمد الاحتياطيات من السكان الشباب الغاضبين، كما وتحظى بدعم دولي، على غرار إيران.
حتى لو تُركت الحركة لوحدها، فقد كان أمامها سنوات للاستعداد للقتال في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك شوارع المدن، حيث يمكن التعويض عن تفوق الدبابات والذخائر الدقيقة من خلال تكتيكات حرب العصابات. وهو ما دفع بنيامين نتنياهو إلى التعهد بـتدمير غزة. دون تفصيل ما يعنيه بذلك. ومع ذلك، فإن غزة عبارة عن منطقة حضرية للغاية، حيث تتحصن فيها حماس بقوة، كما وتشكل من جهة أخرى ساحة معركة تتسم بالتعقيد الهائل.

ما هي مقومات الفصائل الفلسطينية في مواجهة العملية البرية والقصف الذي يتم منذ أربعة أسابيع تقريبا؟
لقد كان على المقاومة التي حددت هدفها المتمثل في تحرير فلسطين أن تحدد حجم القوة اللازمة لهذا العمل، وتتصور ديناميكية رد فعل العدو طالما أنها لا تعمل ضد جسم ميت أو قوة ثابتة.
ولو فعلت ذلك لرأت فعلا أن قوتها لا تكفي لتحقيق الهدف، ولآمنت بأن خلق هذه القوة لا يتم إلا عربيا، وبأن عليها أن تحافظ على ما تملكه وتنميه بدلا من أن تبدده، وأن تستخدم قواها بتقتير كامل فلا تطرح الحرب طويلة الأمد، ثم تبدأ العمل وكأنها في عشية معركة التحرير الفاصلة.
على المقاومة أن تختار وأن تقوم بدورها في صناعة التاريخ، وأن لا تخشى الهزائم الجزئية المؤقتة التي تحمل في طياتها بذور نصر مقبل أكيد. وأن ترى بأن الصراع الثوري سلسلة من المناوشات والمعارك الظافرة والخسارة التي يكون الظفر فيها دفعة إلى الأمام، وتكون الخسارة فيها مدرسة تعلم الثوار كيف يتلافون أخطاءهم ويستعدون للجولة التالية بشكل أفضل.
لهذا ستمارس المقاومة مظهرا من مظاهر الانتفاضة (القتال بكل اندفاع ولكن دون أن تعي بكل أعماقها أن هذا النوع من القتال هو فن من الفنون. وأنه من الضروري ممارسته بكل حزم وتصميم). واللحظة الحالية هي لحظة حرجة لا بد من الاستفادة منها.
غير أن فرص فاعلية الرد على اجتياح بري تشوبها مداخل ضعف كثيرة، نظرا لكون سرايا المقاومة تتخذ من المناطق الحضرية ملاذا منيعا إلى الحد الذي أصيبوا بـ: “وهم القوة”، ليحللوا بناء على ذلك الموقف الاستراتيجي المقبل تحليلا ذاتيا بحتا. علما أنه من أجل رد فعال تحتاج المقاومة لأوراق عملياتية رابحة تنحصر فيما يلي:
– أرض واسعة وعرة قليلة المسالك صالحة للنضال الدفاعي. ولكن الأرض المخصصة للمقاومة رغم وعورتها ضيقة لا تسمح بالمناورة والحركة، وهي تجبر المقاومة على الدفاع الثابت عن المواقع التي تحتلها نظرا لانعدام إمكانية تركها والانتقال إلى مكان آخر بعيد عن متناول العدو.
– جماهير فلاحية مؤيدة لحرب العصابات، ومتمرسة على الصراع الطويل. أو تعيش حياة فائقة لا بد من انتهائها بأي ثمن.
– منطقة كثيفة السكان تملك مصادر زراعية كافية لتموين رجال العصابات بالمؤن والماء خلال فترة طويلة في حالة انقطاع مصادر التموين القادمة من المدن. والمنطقة التي تحتلها المقاومة قليلة السكان، تتمركز الزراعة فيها حول قرى كبيرة يطلقون عليها تجاوزا اسم المدن. وترتبط هذه القرى بشبكة طرق تسهل السيطرة عليها بقوات آلية. أما المناطق الوعرة التي لا تصل إليها الطرق، ويصعب بالتالي وصول قوات العدو إليها ويسهل القتال فيها بالنسبة للعصابات، فهي تفتقر إلى مصادر المؤونة الضرورية، الأمر الذي قد يجبر المقاومة إن شاءت البقاء في الجبال أن تقوم بحملات تموينية خاصة وهجمات نحو القرى الكبيرة بشكل تكون فيه مضطرة لمجابهة العدو في المكان الذي يختاره بدلا من أن تجره إلى القتال في الأمكنة التي تلائمها.
– استناد منطقة عمل العصابات إلى حدود دولة صديقة مستعدة لتموين المقاومة وإمدادها، وهذا ما لا يتوفر في المنطقة الحالية لتمركز المقاومة، ولا يمكن أن ينطبق في المستقبل إلا على المناطق الشمالية.
وسيؤدي مثل هذا الافتقاد لورقات رابحة على الأرض إلى اعتماد سرايا المقاومة على الخلايا الصدامية في المدينة.

كيف تقرأ عدم توسيع حزب الله المواجهة والاكتفاء بما يسمى بـ”عمليات التسخين”؟
في الجهة المقابلة، الأمور تبدو محفوفة بالمخاطر بالنسبة لقيادة حزب الله، وذلك لاعتبارات مهمة: أولا، منذ حربها ضد الكيان عام 2006، والتي يعتقد أنها انتصرت فيها، سعى حزب الله في الواقع إلى تجنب أي تصعيد، وذلك على الرغم من الخطاب والتهديدات والمناوشات التي قام بها على الحدود التي تفصل بين الكيان وجنوب لبنان، هذا من جهة. وعلى الرغم من الضربات الصهيونية التي تستهدفه بشكل مباشر في سوريا. فعلى غرار جميع أطراف النظام السياسي اللبناني، ولاعتبارات تعود للانهيار الاقتصادي الذي تعرفه البلاد، فإن الميليشيا لم تنج هي كذلك من تآكل قاعدتها وانتقادات العديد من اللبنانيين، الذين لن يقبلوا رؤية بلادهم تنجر إلى حرب جديدة.
لن يجرأ حزب الله على مثل هذه المغامرة دون الحصول على الضوء الأخضر من الراعي الإيراني، الذي تتمثل أولويته في الوقت الحالي في نجاح المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة ورفع العقوبات. وليس الانخراط في مواجهة مع حليف واشنطن الأول في المنطقة، إسرائيل، عبر حزب الله. ليكتفي هذا الأخير، صاحب القوة المطلقة في لبنان، بتدخل محدود في الحرب التي تشنها حليفته، حركة حماس الفلسطينية، ضد (إسرائيل).
بالتالي، في حالة الغزو البري لغزة، قد يجد حزب الله نفسه مجبرا على المشاركة في الحرب، بحكم “وحدة هذه الجبهات”. فالهجوم الحاسم على أحد مكونات هذا التحالف، قد يؤدي إلى القضاء على حماس، وهو ما من شأنه أن يدفع إلى «تدخل المكونات الأخرى».

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!