الرأي

المنظومة التربوية.. من مساعي التغريب إلى تدريس الإنجليزية

بقلم: مسعود عمراوي
  • 1698
  • 0

لقد حافظت المدرسة الجزائرية منذ الاستقلال 1962 على مقومات الشعب الجزائري خاصة بعد إصدار أمرية 16 أفريل1976 إذ ظهر التعليم الأساسي، وكان الصراع على أشده بين أنصار المدرسة الأصيلة المجسدة لثوابت الأمة ومقوماتها الحضارية، وبين أنصار التوجه التغريبي، وقد أثبت الواقع جرأة القرار السياسي ونجاعة المدرسة الجزائرية، وتجلى ذلك بوضوح من خلال تفوُّق التلميذ الجزائري واحتلاله المراتب الأولى بكل جدارة واستحقاق في المسابقات الدولية في الأولمبياد الرياضي أي في مادة الرياضيات.

وبعد عام من تولي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة  وتحديدا في 13 ماي 2000  وبناء على المرسوم الرئاسي رقم 101/2000 المؤرخ في: 05 صفر 1412 الموافق لـ: 09 ماي 2000 المتضمن إحداث اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، نصب اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية التي ترأسها رئيس جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا الدكتور علي بن زاغو، وضمت عدة ناشطين ينتمون للتيار الفرانكوفيلي الاستئصالي المتطرف وصف عملها بدقة الأستاذ المربي والأديب رابح خدوسي -أحد أعضائها- في كتابه الموسوم بـ:(المدرسة والإصلاح 100 يوم في اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية مذكرات شاهد) حيث كشف بأن رُبع اللجنة فقط من المدافعين عن الثوابت، وربعان من كان هدفهم فرنسة المدرسة الجزائرية ولا يتكلمون إلا باللغة الفرنسية طيلة الجلسات، ورُبع غائب غيابا شخصيا أو غائب بالحضور لا يحسنون إلا رفع الأيدي، وأن همّ أعضاء اللجنة كان الهجوم على العربية والتربية الإسلامية، وأوضح بأن لا علاقة لهم بتاتا بالتربية فهم ليسوا خبراء، علما بأن النظام الداخلي في مادته الرابعة يلزم بأن القرارات تُتخذ بالأغلبية النسبية، وكان من الطبيعي في ظل ذلك الوضع أن تمرر كل القرارات.

إن المستهدف من تلك “الإصلاحات” هو ضرب مكونات الهوية الجزائرية في المنظومة التربية، ولذا فقد تم إقرار استعمال الرموز الفرنسية في المواد العلمية بدلاً من العربية، وتم رفع الحجم الساعي للغة الفرنسية في البرنامج التعليمي، مقابل تقليص ساعات مواد التاريخ والتربية الإسلامية واللغة العربية،  هذه اللجنة المسماة بلجنة “إصلاحات بن زاغو” غير المنسجمة التي اعتبرها القائمون عليها آنذاك بأنها إصلاحات جذرية عميقة تواكب التطور العلمي والتكنولوجي والحداثة من خلال تغيير المناهج التعليمية وحتى طريقة التدريس، واتسمت هذه “الإصلاحات” بالاستعجال والتسرع، وعدم التحضير لها من جميع الجوانب، وعند التنفيذ تأزمت الوضعية التربوية إذ تصبح على قرار وتمسي على آخر يلغيه أو يعدّله، ناهيك عن التنافس في تضخيم النتائج لإثبات نجاح الإصلاح بدل التنافس على التعليم الجيد ذي النوعية  الذي رفعت شعارَه معظمُ الدول.

وبعد 13 سنة من التطبيق تعترف السيدة وزيرة التربية الوطنية السابقة “نورية بن غبريت رمعون” بالفشل الذريع لـ”إصلاحات” 2003 نتيجة الاستعجال والتسرع وعدم التحضير الجيد للمرحلة، وهي العضو البارز فيها، وكنا نعتقد بأن السيدة الوزيرة ستتفادى مبررات الإخفاق والفشل باعتبارها عايشت هذه الفترة، وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه  تقييم مرحلة التعليم الثانوي بعد أن تم تقييم مرحلة التعليم الإلزامي بثانوية الرياضيات في شهر جويلية سنة 2014 وتسجيل أزيد من 450 ملاحظة دون  صدور أي توصية أو اتخاذ أي إجراء بعد عمليات التقييم والتقويم لتعزيز الإيجابيات وتفادي السلبيات ، تفاجئنا “بن غبريت” بتنظيم ندوة وطنية لتقييم تطبيق “إصلاح” المدرسة يومي 25 و26 جويلية 2015 بقصر الأمم بنادي الصنوبر، وبمجرد انتهائها من الندوة  ادّعت أن إحدى لجان الندوة خرجت بتوصية مفادها التدريس باللهجات العامية، وهذا لا أساس له من الصحة لأننا كنا من الحاضرين الممثلين لنقابة “انباف”  وقد توزعنا على كل الورشات العشر، كما أن هذا الادّعاء لا يتقبله لا المنطق ولا العقل لأنه غير قابل للتطبيق لاعتبارات عدة خاصة أن أبناء أسلاك الأمن والجيش الوطنيين يتنقل أولياؤهم لضرورة الخدمة من ولاية لأخرى، وفي الجنوب الكبير وحاسي مسعود والمدن الكبرى التي تحوي كل لهجات الوطن وكل شرائح المجتمع، فالسيدة وزيرة التربية ترغب  في تدريس مواد العربية باللهجات العامية.

أما تدريس الفرنسية فالتعليمات صارمة لأساتذة المادة بعدم استعمال أي لغة وأي لهجة مهما كانت غير اللغة الفرنسية للشرح والتوضيح للتلاميذ، علما بأن الرغبة في ترسيم استعمال اللهجات العامية للأقسام التحضيرية والسنتين الأولى والثانية ابتدائي هو عودة للوراء وقد سبق أن سعت من أجله فرنسا منذ بدايات سنة 1900 في محاولة يائسة لطمس اللغة العربية وضرب هوية الشعب الجزائري في العمق، ولم تفلح آنذاك.

ثم انطلقت “بن غبريت” بعدها مع فريقها في التحضير بما سمّته “مناهج الجيل الثاني” في تنكر تام للمدرسة الجزائرية التي حافظت على مقومات الشعب الجزائري  طيلة 42 سنة أي من الاستقلال 1962 إلى سنة 2000 وهي سنة إلغاء أمرية 16 أفريل76 وتنصيب اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية  المسماة بإصلاحات بن زاغو التي اعتبرت كمناهج للجيل الأول ثم جيء بما يسمى بـ”مناهج الجيل الثاني” 2016/2017 ، وبمعنى أدق أنها لم تؤمن إلا بالإصلاحات التي كانت طرفا أساسيا فيها، والمؤسف أنها نسخت نفس التجربة السابقة، ناهيك عن اعتمادها بما سمي “الخبراء الأجانب” الذين استقطبتهم في سرية تامة و تعتيم كلي، وكلهم مفتشون في التعليم الابتدائي ومن مدينة مرسيليا، أثبتوا فشلهم وعدم كفاءتهم أثناء تكوين مفتشينا للتعليم الثانوي حيث عجزوا عن الرد على تساؤلاتهم، وفي الوقت نفسه همشت الكفاءات الجزائرية من أهل الاختصاص والخبراء الحقيقيين، وأقحمت  المنظومة التربوية في صراعات وهمية عقيمة، ما جعلنا نطالب وزارة التربية رسميا بتأجيل تطبيق الإصلاحات إلى السنة الدراسية 2016/2017 ليتسنى لذوي الاختصاص والخبراء والمهتمين دراسة الملف بروية لأنه يتعلق بمصير أجيال المستقبل، غير أنها لم تُعر ذلك أي اهتمام وفي عجالة من أمرها اتخذت إجراءات متعددة من أهمها:

كما نسجل بعض الملاحظات التي وقفنا عليها من خلال مضامين الكتب المدرسية ومن أهمها:

وفي إحدى التطبيقات يطلَب من التلميذ أن يجيب عن هذا السؤال بنعم أو لا:

إن هذا النوع من الأمثلة والأسئلة في كتاب حكومي رسمي يدخل في إطار البرمجة الذهنية لدى طفل المرحلة الابتدائية وغرس العنصرية المؤسساتية!

وزيرة التربية كانت ترغب  في تدريس مواد العربية باللهجات العامية، أما تدريس الفرنسية فالتعليمات صارمة لأساتذة المادة بعدم استعمال أي لغة وأي لهجة مهما كانت غير الفرنسية أمام التلاميذ، علما بأن الرغبة في ترسيم استعمال اللهجات العامية للأقسام التحضيرية والسنتين الأولى والثانية ابتدائي هو عودة للوراء وقد سبق أن سعت من أجله فرنسا منذ بدايات سنة 1900 في محاولة يائسة لطمس اللغة العربية.

وبالرغم من واقع المدرسة البائس والأليم  يبقى الأمل كبيرا في مستقبل واعد لعهد جديد وجزائر جديدة لاسترجاع المنظومة التربوية المجسِّدة لثوابت الأمة ومقوماتها الحضارية ريادتها، والمدرسة بريقها، والتلميذ تفوقه، والأستاذ كفاءته من خلال تفعيل المرصد والمجلس الوطنيين اللذين أقرهما القانون التوجيهي 08/04، وإعادة بعث المجلس الأعلى للتربية كما كان على سابق عهده لرسم السياسات التربوية بعيدا عن المركز الوطني للأنثروبولوجيا الذي له مهام أخرى بعيدة كل البعد عن المهام التربوية والبيداغوجية، هذا المجلس الذي سيكون عونا لوزارة التربية، ما يجعلنا نطالب وبإلحاح أن تتّجه جهود الدولة إلى إعادة بعثه من جديد لتنظيم حقائق العمل التربوي الدقيق كما أكد ذلك الدكتور عبد القادر فضيل، وضبط الاتجاهات الفكرية التي تضبط عمل وزارة التربية، لأن الوزارة لا تسند إليها مهمة التفكير السياسي أو ضبط الاتجاهات الفكرية والفلسفية لأنَّ هذا أمرٌ خاص بهيئة عليا عناصرها مهيَّأون لهذه المسؤولية، وهم من تكلفهم الدولة بمهام هذه المسؤولية المتخصصة والدقيقة لأنهم ينوبون عن الأمة وينطقون باسمها، ويمارسون مهامهم باسم الدولة، فالقرارات التربوية التي تُتَّخذ يجب أن تكون مسايرة لما يعيش في أعماق الأمة وعما تريده أو محدِّدة لفلسفتها وشارحة لمستقبلها، لأن التربية سياسة أمة وليست سياسة قطاع، ومسؤولية دولة وليست مسؤولية وزير.

ترسيم خريطة إسرائيل ومحو فلسطين في كتاب الجغرافيا للسنة الأولى متوسط، إذ تضمنت الصفحات 65 و71 و75 خرائط ترسّم “إسرائيل”، ولم يتم التنبيه إلا للخريطة الموجودة في صفحة 65 التي كُتب عليها “إسرائيل” فثارت حولها ضجة كبيرة وطُلب من التلاميذ تمزيقها، والخريطتان مازالتا جاثمتين في على الكتاب.

وبالتجسيد الفعلي لقرار السيد رئيس الجمهورية السيادي بتدريس اللغة الإنجليزية في التعليم الابتدائي ابتداء من السنة الدراسية المقبلة ستخطو المدرسة الجزائرية خطوات إيجابية إلى الأمام، وهنا ينبغي التنبيه إلى وجوب إسناد الأمر لأهله، والعمل الحثيث مع المختصين لإعداد البرامج والكتب المدرسية التي يجب أن تكون جذابة، و مراعية للنمو العقلي لتلميذ هذه المرحلة، وإعدادها من قبل مؤلفين أكفاء وطنيين صادقين همهم الأساس إنجاح التجربة، ولنا في ذلك تجربة رائدة في التسعينيات قبل إجهاض المشروع الذي أقره مجلس الوزراء آنذاك  في عهد وزير التربية الدكتور علي بن محمد، إذ أثبت أبناؤنا التلاميذ كفاءتهم في تعلم اللغة الإنجليزية، ومن أجل النهوض بالمدرسة الجزائرية ينبغي إفشال مخططات ومؤامرات وكلاء فرنسا خاصة اللوبي الفرانكوفيلي الذي سيتحرك بقوة ويعمل المستحيل من أجل وأد المشروع كما تعوَّد مختلِقا مبررات واهية على غرار أن “الوقت غير مناسب”، و”تلميذ هذه المرحلة لا يمكنه استيعاب عدة لغات”، ونقص الأساتذة، وكثافة الدروس… فالقرار قد اتخذ بعزيمة وسيادة مما يستوجب على وزارة التربية رفع التحدي لإنجاح العملية وتجسيدها ميدانيا في الدخول المدرسي المقبل.

مقالات ذات صلة