-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المواعيد النوفمبرية لتوليد الجمهورية الجديدة

حبيب راشدين
  • 1443
  • 5
المواعيد النوفمبرية لتوليد الجمهورية الجديدة
ح.م

اختيار الرئيس للفاتح من نوفمبر القادم لتدشين المسجد الأعظم، والاستفتاء على التعديل الدستوري لم يكن صدفة عند رئيس يريد أن يثبت للرأي العام الوطني صدق تعلقه بالمرجعية النوفمبرية ولو على المستوى الرمزي، بربط الحدثين البارزين في أول سنة من عهدته الأولى، بيوم مميز في تاريخ الجزائر، هو في الذاكرة الجمعية يوم انبعاث للدولة الجزائرية الحديثة عسى أن يصير يوما يؤرخ فيه لتوليد الجمهورية الجديدة.

فقد كان بوسع الرئيس أن يستغل الحدثين، بتأجيل أو تعجيل أحدهما أو كليهما من باب الاستثمار السياسي العقلاني في ثلاثة أحداث لها شحنة رمزية كبيرة، وعليها إجماع شعبي واسع، لولا هذه الرغبة في توثيق الرابط بين استفتاء مصيري على تعديل دستوري، يراد له أن يمنح البلد فرصة إعادة الانبعاث الشامل: سياسيا واقتصاديا وثقافيا، لبناء الجزائر الجديدة، ومعها توثيق الصلة بين هذا المعْلم الديني العظيم والمرجعية الدينية والروحية لثورة الفاتح من نوفمبر.

التوقيت للحدثين هو اختيارٌ موفق من أكثر من جهة، في سنة واجه فيها الرئيس تحديات كثيرة: سياسية اقتصادية، واجتماعية، وأمنية، لم تمنحه فرصة التقاط الأنفاس، مع تفشي وباء كورونا، وانهيار أسعار المحروقات وتراجع موارد الدولة، وإغلاق قسري مكلّف للاقتصاد الوطني، كان سيكلف البلد تفجيرا محتملا للجبهة الاجتماعية، مع تصعيد أمني خطير على طول حدود البلاد، وتحرُّش داخلي وخارجي بإعادة جدولة مفاعيل “الحَراك” كأداة لتشتيت جهد الحكومة والرئيس، وتأجيل مواعيد إعادة بناء وتأهيل المؤسسات الدستورية للبلد، ومنها تحديدا حرمان الرئيس من فرصة البناء على دستور جديد لا يطعن أحدٌ في شرعيته الشعبية.

يقينا لن ينكر أحدٌ على الرئيس اختيار هذا الموعد لتدشين المسجد الأعظم، الذي أسِّس منذ البداية بهذه المرجعية النوفمبرية، من حيث اختيار موقع المحمدية من العاصمة (لافيجري سابقا) الذي شهد الإنزال البحري العظيم لإمبراطور المسيحية شارل الخامس (1542)، وعجزت القوات الفرنسية عن اقتحامه، قبل أن يعتمده حبر المبشرين “لافيجري” لبناء كنيسة “الآباء البيض” التي كان يحلم هذا الحبر المسيحي بتأسيسها كبوابة، وكقلعة انطلاق لتنصير الجزائر وكثير من المستعمرات الفرنسية بإفريقيا، وقد حرص الاستعمار الفرنسي على إقامة كنائس بمرتفعات العاصمة والمدن الجزائرية، هي أول ما يراها القادم من البحر قبل أن تختطف منها الأضواء مئذنةُ المسجد الأعظم.

ويقينا، لن ينكر أحدٌ على الرئيس اختيار الفاتح من نوفمبر لإنفاذ وعده الانتخابي الأبرز، بعرض التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي حتى قبل أن يفرج عن المسودّة النهائية للتعديل، في مقدِّمة رمزية تريد طمأنة القوى الوطنية التي آزرت ترشيح، ثم انتخاب الرئيس تبون على استحالة تمرير تعديل دستوري يخون مبادئ ثورة نوفمبر.

مقدماتٌ كثيرة سبقت هذين القرارين كانت تطمئن الرأي العام الغالب في هذا البلد المسلم المجاهد، على أن ما أنجز من قطيعة سنة 2019 مع الزمر الفاسدة، ومع التبعية المستدامة لفرنسا، لم يكن محض “شقشقة تهدر ثم ترد”، بل كانت خيارا قد تجمّعت له الفرصة والقوة والدعم الشعبي لتحقيق قطيعة مستدامة مع الآفتين، والعبور بالبلد نحو إعادة تأسيس الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة، التي تشترط القطيعة الصريحة مع مخلفات العهد الاستعماري، ومع روافده المغروسة في جسد مؤسسات الدولة منذ الانحراف الحاصل في تسعينيات القرن الماضي.

ولأن الفطنة تقتضي أن لا نشتري السمك وهو في البحر، فإن التثمين الحقيقي لقرار اختيار الفاتح من نوفمبر كموعد للاستفتاء على الدستور، وتدشين المسجد الأعظم، يظل معلقا حتى الإفراج عن المسودة النهائية للتعديل، التي سوف يحكم عليها الرأي الغالب في المجتمع بقراره السيد سلبا أو إيجابا، ليس من جهة التفاصيل الخاصة بإعادة توزيع السلطات، وتعضيد الحريات، أو تثبيت مسارات التداول الديمقراطي على السلطة، بقدر ما سيحكم لها أو عليها من جهة منسوب تأمينها الدستوري للمرجعية النوفمبرية، وتثبيت مكونات الهوية الوطنية الجامعة كما رسَّخها بيان أول نوفمبر في بنده الأول: “إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • حسين حشايشي

    لغة الخشب "الجديدة"

  • avancer lalour

    المواعيد النوفمبرية لتوليد الجمهورية الجديدة ... منذ الاستقلال والي اليوم هناك 58 أول نوفمبر دون أن ننجز أي شيء باستثناء avancer lalour فتوقفوا اذن عن التلاعب بعقول السذج والمغفلين فالجزائر لا يبنيها لا أول نوفمبر و لا 5 جويلية ولا 20 أوت ولا النفاق ولا التملق ولا المكر ولا الخداع ولا الشيتة ....بل تبنى فقط بالعمل والنزاهة والانضباط والعلم والأخلاق ........... وكلها للأسف هاجرتنا منذ عشرات السنين

  • WIEM

    لا لتسييس الدين والتاريخ

  • كريم-حكيم

    هه لغنى اللي يجي يديه.

  • elarabi ahmed

    البحث عن شرعية سياسية ودينية بعد تأكل الشرعية الثورية هدا لن ولم يغير من واقع المواطن والبلد .
    أما الديمقراطية فهي تداول السلطة عبر الأحزاب عن طريق الإنتخبات..........؟ ومن خلال برامج لكل لحزب