الرأي

الهجرة إلى “يخرب”

عمار يزلي
  • 3118
  • 3

وجدت نفسي من اليوم، ومن الدخول الاجتماعي، أن أحضر نفسي لكل الاحتمالات: فنحن في بلد “كل شيء فيه ممكن”! يمكن أن نشرع لعهدة خامسة قبل الرابعة، ونعيد البلديات قبل التشريعيات، ونستفتى على الدستور في شهرين.. وما أدراني ما سيفعل بي ولا بكم؟ لهذا وجدت نفسي أسخن البندير على الأقل لمنصب رئيس بلدية كبيرة في الصحراء الكبرى؟ قلت لنفسي: لماذا لا أرمي على وجهي “حلاسة” وأذهب لأشتغل بالسياسة؟.. فأهل الصحراء أعرف بشعبها، كما أهل مكة أدرى بشعابها، أذهب متسولا متوسلا طالبا من السكان في لباس مجذوب أن يقيموا علي الحد بأن يرجموني بأصواتهم كلها، لكي يغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر.. وأموت على الكرسي في خدمة أناسي وطمعا في الجنة.. والناس.. وأنسى أني ناسي.. يوم كنت راكبا راسي.. ضاربا عرض الحائط مصالح الناس أخماسا في أسداس:

استقبلني سكان البلديات المجاورة بالترحاب.. ونباح الكلاب: فقد عرفوا عني أني: “كان وزيرا سابقا.. كان قبل أن يأتي إلينا.. منا وإلينا.. مسئولا عن عدة وزارات مفلسة.. رئيسا سابقا لأوانه.. تضبط شرا.. لم نره يوما إلا في التلفاز.. ويوم فاز، مر على عدة “إضارات” فأضر بناس الصحرا.. وناس اللي في الداخل والناس اللي برا.. وتربع على ثروة باسم الثورة.. وحج عشر المرات بمال الحكومة.. وتزوج أربع نساء متعددات الجنسية، مكتسبا بذلك لقب “بونسا العالمي”..

  لكن الحمد لله جئت لأقنع السكان التابعين لإحدى الزوايا، أني جئت تائبا نادما… بكوا لحالي.. وزادوني مالا على مالي (والنيجر).. وامرأة على نسائي.. وواعدوني أن سأكون في دار البلدية من القافزين وفي الجنة من الفائزين. ودارت الأيام، ووجدت نفسي رئيسا للبلدية بحجم بلد! حفرت عدة آبار نفطية بالتعاون مع شركات أمريكية.. وأنقلت سكان البلدية إلى منطقة معزولة آمنة. كل هذا في أقل من خمس سنوات.. حيث أصبح سكان المنطقة يتحدثون كلهم بالانجليزية الأمريكية (لأنه لم يعد يوجد بالمنطقة غير الأمريكان!).. وتحقق بذلك حلمي ووعدي بأن أحول الصحراء إلى كاليفورنيا.. هجرنا الشعوب البدائية في حاسي مسعود، وتوات وحاسي الرمل.. إلى أعالي رمال مالي، حيث منحوا الجنسية الطانزانية.. كما هجر الأمريكان قبلنا الهنود.. واستقدمنا أقواما دينهم الدولار.. وديدنهم الويسكي والبار.. وثقافتهم الصاروخ والشار.. ومصيرهم الثبور والنار.. ولا حول ولا قوة إلا بالله الواحد القهار..

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر الأطفال الصغار الذين لايزالون ينتظرون الذل والعار.. ويلعنون فرعون وهامان وجنودهما.. في النار!!

وأفيق من نومي جد محتار: اكتشاف مخزون نفط كبير في جنوبنا الذي على وشك الانفجار!

مقالات ذات صلة