-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الهجرة.. القوة المنسية للجزائر

الهجرة.. القوة المنسية للجزائر

كشفت أحداث مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية وما تبعها من تطورات سياسية وإعلامية ومحاولات لاستغلالها إلى أقصى حد من قبل الحكومة الفرنسية وحكومات أجنبية بما في ذلك الإسرائيلية، حاجتنا الماسة اليوم إلى إعادة النظر في إستراتيجية التعامل مع جاليتنا في الخارج باعتبارها قوة قادرة على خدمة مصالحنا الوطنية وعلى لعب دور استراتيجي في مسار العلاقات القائمة بين بلادنا والحكومة الفرنسية ومجمل بلدان الاتحاد الأوروبي والعالم، بالرغم من أنها لحد الآن مازالت قوة منسية…

بالفعل، عندما تمتلك دولة مثل الجزائر جالية كبيرة في فرنسا عليها أن تعمل على جعل ذلك عامل قوة معزز لموقفها التفاوضي السياسي والاقتصادي لا عامل ضعف. المشكلة عندنا أن العكس هو الذي يحدث. باستمرار نعتقد أن جاليتنا هي عبء علينا وترتفع أصوات بالقول ماذا لو طردتها فرنسا؟ ما الذي نستطيع أن نقوم به تجاهها، ونحن لم نتمكن من إيجاد حل لمشكلات المواطنين المقيمين بيننا. وهو بلا شك اعتقاد خاطئ، ذلك أن للجالية الجزائرية مفهوما مختلفا عن باقي الجاليات باعتبارها تتميز بخاصيتين: الأولى أن معظم أفرادها من مزدوجي الجنسية ولهم جميع حقوق حاملي الجنسية الفرنسية، والثانية أنها جالية شابة وهي تساهم في رفع نسبة النمو الديمغرافي الفرنسي ـ المنخفض جدا عن الفرنسيين ـ كما تساهم في تطوير الاقتصاد الفرنسي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وبخاصة في مستوى اليد العاملة ذات التأهيل البسيط والإطارات الوسطى في كافة المجالات.

وبناء على ذلك، فإن تصور أنها يمكن أن تشكل عبءا ثقيلا على الجزائر، يعد تصورا خاطئا، بل العكس هو الصحيح إذا ما تمكنت بلادنا من رسم سياسة مستقبلية تجاهها واستفادت  من كافة الأوراق الرابحة التي تُمكنها منها باستمرار، لخدمة سياستها الخارجية ومصالحها العليا بكيفية فعالة.

وقد جاءت تطورات الأحداث بعد الاعتداء على المجلة الفرنسيةشارلي إيبدولتؤكد ما للجالية الجزائرية بصفة خاصة والجالية المسلمة بصفة عامة من تأثير على مسار الأحداث في فرنسا ذاتها، سواء فيما يتعلق بجانب استتباب الأمن داخل في فرنسا أو في مجال تعزيز الوحدة الوطنية لهذا البلد، ناهيك عن المجالات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة.

لقد كرر الرئيس الفرنسي مرارا دعوته للحفاظ على الوحدة الوطنية بين الفرنسيين، في إشارة واضحة إلى أنه ينبغي عدم اللعب بالنار بشأن اتهام المسلمين بمهاجمتهم المجلة الفرنسية، أو الإشارة من بعيد أو من قريب لدور الجزائريين في ذلك. فحتى عبارة من أصول جزائرية المتعلقة بمنفذي الهجوم على المجلة تم حذفها من القاموس اللغوي لوسائل الإعلام الفرنسية والأجنبية بعد استخدامها لفترة وجيزة من قبل أكثر من قناة في الساعات الأولى. كما أن الحكومة الفرنسية لم توجه أي اتهام لا للمسلمين ولا للجزائريين بأن لهم ضلعا في العملية، بل اعتبرت أن الفعل الإرهابي الذي تم لا يمكن نسبته إلا لأصحابه، وهؤلاء هم أبناء فرنسا وليسو أبناء الجزائر، والتدريب الذي تلقّوه عن طريق القاعدة أو داعش لا علاقة للجزائريين به. وهكذا دواليك.. أي أن هناك تحاشيا واضحا لإقحام جاليتنا في الخارج في هذه المسألة، على الصعيدين الرسمي والشعبي، باستثناء بعض الأوساط المتطرفة هنا وهناك التي تعمل على تأجيج الصراع خدمة لمصالحها، وانتقاما من المسلمين عامة والجزائريين خاصة لما لهم من حمية تجاه القضايا التي تمس الدين والوطن

ويبدو أن الجالية المسلمة في أوروبا، وفي فرنسا بالتحديد، تمكنت هذه المرة على خلاف المرات السابقة من التصرف بحكمة تجاه مجموع الاستفزازات الموجهة لها، بل تركت الطرف الآخر هو الذي يتصرف بعصبية ومن غير اتزان وأحيانا بتهور عندما يحاول المساس بمقدسات المسلمين.

وقد تناغم موقف جاليتنا مع الموقف الشعبي الداخلي، حيث اعتبر الطرفان أنهما لا يتحملان مسؤولية الاعتداء على المجلة الفرنسية ولا يباركان ذلك، وأن نصرتهما للإسلام إنما ينبغي أن تتم بالأساليب المشروعة التي أقرها الإسلام وأجمع بشأنها العلماء. إن الجزاء ينبغي أن يكون من جنس العمل، وأنهلا إكراه في الدينولكم دينكم ولي ديني“.

هذا الأسلوب الصحيح في مواجهة استهزاء البعض بالإسلام والمسلمين، يعطي قاعدة صلبة لأية سياسة ينبغي أن تُصاغ تجاه الهجرة.

لقد ولّى زمن الاستهانة بدورها السياسي والإعلامي ناهيك عن دورها الاقتصادي الذي ينبغي أن يُفَعَّل.

وبهذا الصدد فإنه علينا على الأقل أن نُبادر لتصحيح مسار السياسات السابقة تجاه جاليتنا من خلال عدة وسائل لعل أهمها:

ـ إعادة صوغ سياسة الهجرة على ضوء طبيعة الصراع الحالي في أوروبا والعوامل الدينية والأيديولوجية المتحكمة فيه.

ـ ربط المهاجرين الجزائريين بصفة أكبر ببلادهم وتسهيل إجراءات التنقل عبر البلدين من خلال تخفيض مستمر لتكاليف النقل وتوفير أفضل لشروط للاستقبال.

ـ تعزيز مدارس التكوين الخاصة بالجالية الجزائرية والعناية بالتكوين اللغوي والديني بالأساس.

ـ تطوير سياسة إعلامية خاصة بالجالية تمكنها من التعبير عن وجهة نظرها والدفاع عنها.

ـ تشجيع مبادرات تنظيم الجالية الجزائرية، والسهر على تكثيف النشاطات القادرة على ربط عناصرها باستمرار بالوطن الأم وزيادة التنسيق بينها والجالية المسلمة الأخرى.

ـ إعطاء دور جديد للمركز الثقافي الجزائري في فرنسا وتمكينه من أن يكون أداة ربط لأفراد الجالية بثقافتهم الوطنية، لا أداة خدمة الثقافات الأجنبية ونقل قسري إلى حقل الفرانكفونية.

ـ توفير آليات جديدة لتحويل أموال المهاجرين وتقديم سعر صرف مماثل للسوق الموازية على صعيد البنوك لاستقطاب مزيد من المداخيل بالعملة الصعبة للخزينة الجزائرية، وتشجيع المهاجرين للادخار والاستثمار بالعملة الأجنبية في بلادهم.

ـ إنشاء هيئة لمساعدة الجزائريين الراغبين في الاستقرار في أوروبا على إتمام إجراءاتهم القانونية، وتفعيل الاتفاقيات التي تقضي بمعاملة الجزائريين معاملة متميزة مقارنة مع جنسيات أخرى سواء في الاستثمار أو الإقامة مقابل ما يستفيد منه المستثمرون الفرنسيون اليوم من معاملة استثنائية على حساب جنسيات أخرى.

 

ولهذا الغرض، لعل الوقت اليوم ملائم، لجمع كل هذه العناصر في نطاق سياسة عامة، ثم إثرائها من خلال فتح نقاش واسع حول هذه السياسة بمشاركة المعنيين لخلق تناغم بين حاجاتهم الآنية والبعيدة المدى والسياسات الوطنية في مجال الاستثمار والتجارة الخارجية. وهكذا لعلنا نتمكن من صوغ سياسة مستقبلية تجاه جاليتنا في الخارج وفي فرنسا بالتحديد لتصبح قوة حقيقية مضافة إلى الرصيد الجزائري، وتتحول في ظرف قصير بالفعل من قوة منسية تتقاذفها القنصليات والسفارات وتهينها شركات الطيران وتجار العملة عند الذهاب والإياب، إلى قوة يستطيع المجتمع، وتستطيع الدولة الاعتماد عليها في أية لحظة تريد، قوة حاضرة بالفعل في الميدان، قادرة على الدفاع عن موقفها بكل شجاعة عند الشعور بالاستفزاز أو الإهانة كما يحدث اليوم مع الرافعين لشعار معشارلي، ضدمحمد“… وصلى الله وسلم على نبينا الكريم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • مغترب

    ياخى مايحبوناش مذابهم كل الشعب يهاجر! خلينا نكون عقلنيين وتكون الامور اكثر وضوح, ماذ تفسر تذكرة من فرنسا الى الجزائر 450 EU فيما المغربى وتونسى يشتري تذكرةب EU60 الى EU130 وانت تعلم ان الكيروزان حنى عندنا باطل وتونس والمغرب يشرو الكيروزان خلىيها الى ربى راه القلب معم

  • ابو محمد

    تاريخ الجالية الجزائرية في فرنسا لا يمنحنا الافضلية لكسبها ككتلة ضاغطة يمكن ان تمرر خطوات كالتي تتمناها سيدي الكريم هؤلاء لا يملكون من وطننا الا الاسم تربيتهم واخلاقهم تختلف عنا ولا يمكن باي حال من الاحوال تنفيذ استراتيجية كهذه لسببين اولهما نوعية المهاجر الجزائري وهما اثنان لا ثالث لهما ابناء الحركة وهم بلا كرامة خان ابائهم وهم على دربهم سائرون ثانيهمامن هاجر لاسباب مادية وهؤلاء ضعاف النفس ولا يعتمد عليهم فقط لانهم كالانعام يعيشون للاكل وللاكل لذا الافضل استغلال ابنائنا من الداخل

  • الحر

    السلام عليكم يا استاذ سليم . السليم في عقله .............................. المشكلة واضحة وضوح انحياز امريكا واروبا لاسرائيل ....ما سمعنا عن بنود اتفاقيات ايفيان التي يسميها هواري بومدين رحمه الله إتفاقيات العار أصبحت الآن امام اعيننا ...معظم الكفاءات يا سيدي مهمشة بل معظمها مسجونة ...مقتولة ..هل تعرفون سبب الغاء المسار الانتخابي1990 ..اكثر من 75% من البرلامنيين المنتخبين مستواهم جامعي منهم 80% دكاترة ..والحديث قياس.

  • نبيل

    عندما أرى طريقة معاملة النظام الجزائري لجاليته المقيمة خارج الوطن، بدأ من رفع ثمن تذاكر السفر، إلى عدم إهمال العلاقة بين ابناء المهاجرين وبلدهم وثقافتهم ولغتهم، إلى عدم الاكتراث بالمهاجرين ذوو الكفاءات العالية، وعدم تجفيزهم على العودة والاستثمار في وطنهم (بل بالعكس، تهين كل من له كفاءة حتى يغادر البلد)، قلت، عندما أرى هذه المعاملات يتبادر لذهني أن هناك نية مبيتة لإبعادهم وإبقائهم خارج الجزائر، رغم أن الجزائر بحاجة ماسة إليهم (خاصة ذوو الكفاءة) أكثر مما هي بحاجة للاعبي كرة القدم.

  • حسين الابراهيمي

    سلام استاذ لو كان في تلك النعاج مقاوم لك لم تجيء ما جئته استفحالا وماكانت الحسناء ترفع سترها لو ان في هذي الجموع رجالا شكرا استاذ الموتى لا يسمعون حتى يبعثون

  • ali

    بارك الله فيك ايها الاخ قلالة ولاكن راك غالط في ما تقول اول من كسر واهان المغتربين هي حكوتك ياسي قلاله مع الكفار كيما راكم تقولو نحس باننا عباد اما مع الجزاءر نحس رواحنا ك..... ويبداء هدا الاحساس من القنصلية الي غايت الجزاءر وعلي ماظن راك عارف خير مني واش راه صاري