-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

انقلابٌ في الواقع وتغيير الخرائط.. فهل ضاعت أمتنا؟

صالح عوض
  • 465
  • 0
انقلابٌ في الواقع وتغيير الخرائط.. فهل ضاعت أمتنا؟

في فلسطين وأزمة التنازع فيها غير المفهوم، وفي بلاد العراق حيث التبعثر، والشام حيث الكارثة، واليمن حيث النكبة، وليبيا حيث غير المفهوم يكتمل فصل تسونامي الربيع العربي، وهانحن أمام موجات جديدة من التسونامي الذي يهدد بلدان العرب ومجتمعاتهم.
إن المسألة لا تتعلق فقط بضرورة التحذير من التهديدات المتزايدة والتي تلتهم بلداننا واحدة تلو الأخرى حسب موجات تسونامي الهجوم الغربي الاستعماري.. فصحيح توقف تسونامي في طبعته الأخيرة الربيع العربي عند بوابات دمشق ولأسباب عديدة تشتت قوته وأصبح لدى صانع القرار الغربي مسلّمات لابد من التعامل معها كأمر واقع، وعليه لابد من تعديلات جوهرية في المخطط الاستراتيجي الذي يستهدف المنطقة العربية لاسيما المشرق العربي جملة حيث تقع إسرائيل في القلب منه والتحرك لإعادة تشكيل جيوسياسي في المنطقة يجعل من الكيان الصهيوني قطب الرحى ليس من خلال تحالفات كما تمنى بعض النظام العربي وإنما بواقع حال؛ أي بتفتيت الدولة العربية وتشتيتها وإيقاعها تحت طائلة العقوبات..
المسألة ليست فقط تحذيرا للنظام العربي من مخاطر هنا وهناك جراء تصرفاته الهوجاء وسلوكه الغبي.. إنما هي محاولة لقراءة متأنية متبصرة استشرافية لمستقبل بلداننا العربية كأوطان ودول.. فإن الذي لا يقرأ المعطيات الحسية والمعنوية ويدقق في الداخل والخارج بعيدا عن الأوهام والأماني سيُصدم في نهاية المطاف بحقائق تمتد جذورها إلى اللّحظة الحالية.
الدولة العربية تكتنز عناصر الصراع بالتنوع الثقافي والاثنيات المذهبية والعرقية والجهوية التي كانت في أزمان عديدة مصدر ثراء المجتمع وسلامة عيشه إلا أنها اليوم أدوات أصبح المتحكم فيها بشكل كبير أجهزة أمنية خارجية.. ومن جهة أخرى النظام العربي المتجمد العاجز عن فهم حقائق التدافع البشري سواء كان تحالفات أو تنازعات.. النظام العربي يظن أن ما لديه من ثروة وأموال يستطيع بهما أن يُثبت لنفسه مكانا في الخريطة السياسية وفي العلاقات الدولية بل إن بعض النظام العربي يظن أنه بأمواله يؤثر على الاقتصاد العالمي.. للأسف النظام العربي يعيش أوهاما ويقود الأمة إلى المهالك.
ثروة الدول العربية في صناديق أمريكية يمكن أن يسمح لهم بسحب بعضها لكنهم لن يستطيعوا سحب المعظم كما حصل من قبل في أموال إيران.. فكل ثروات العرب عبارة عن أرقام على ورقة بيضاء يمكن للأمريكان تفعيل أي قانون يتم بموجبه حجز الأموال وعدم السماح بتنقل الثروات الأخرى..
اليوم هناك عناصر تساهم متكاملة في تدمير الدولة العربية فالنظام السياسي الذي لا يفهم كيفية إدارة العلاقات مع الخارج ويزيد في قهر الداخل ولا يتشكل بطريقة منطقية أو علمية هو أحد أخطر الأدوات التي تسهم في تدمير الدولة العربية.. والقوى السياسية المتناحرة على السلطة والتي تفقد الهدف السياسي الناضج هي أداة أخرى بما تنهمك فيه من تشنيع للأوضاع وتواصل مع قوى أخرى خارجية أو إعلام خارجي وتساوق مع الأعداء.. والطبقة المثقفة من شيوخ الدين والفنانين والأدباء والكتّاب والشعراء وما يبشرون به من هلاك الأمة وما يبثونه من أحاسيس متوترة وروح مهزومة يسهمون في تدمير القلاع من الداخل.. هذا بالإضافة للثقافة السائدة والقيم المتحكمة والأوضاع المزرية للمجتمعات العربية التي يضربها الجوع والفقر والمرض والجهل والتخلف العلمي والتكنولوجي..
لقد توفرت كل عناصر الخراب والتخريب الداخلي ويكفي الإشارة إلى أي مجتمع من مجتمعاتنا العربية لنرى أن هناك صراعات عنيفة مشحونة بعقد نفسية تسري في قطاعات من الناس يمكن تحويلها إلى نيران تعصف بالدولة والمجتمع في أي وقت والأمر لا يحتاج إلا إلى تحريك من قبل الغربيين.. ويفاجَئ أحدنا من الانفجارات الحادثة العنيفة في البلدان العربية وكأننا كنا نسقي العنف والتشفي والغل قرونا طويلة.. فكيف حدث هذا في المجتمع العربي؟ انه بلا شك للأسباب سالفة الذكر التي تعاونت في إنشاء مناخات الشحناء والأحقاد فتكونت الحاضنة الطبيعية للعنف والإرهاب في بلداننا..
ليس فقط الثروة العربية بيد الأمريكان والغربيين بل حتى أمن مجتمعاتنا المدني بيدهم.. والكلام هنا ليس عن الأمن القومي ببعده الاستراتيجي بل على مستوى العيش البسيط في مجتمعات تتحولق حول نفسها تبحث عن لقمة تسد الرمق ودواء يوقف الهلاك المستشري فينا.. إن أمن مجتمعاتنا مهدّد فلقد تحول كل مقدس لنا إلى عبء كبير فالإسلام حبل الله المتين الذي يوحد الناس ويدفعهم إلى التراحم والتعاون والعدل والتسامح تحول بفعل ثقافة مشوهة إلى أن أصبح من أخطر أدوات التفجير الداخلي وتدمير المجتمعات.. وهكذا يكونوا قد سيطروا على منظومات قيمنا وشوّهوها ووجهوا المشوه منها للتحرك في أوساط مجتمعاتنا..
لقد نالوا منا منالهم وأفرغونا من مكوّنات القوة وعناصر الصمود.. فأصبحنا أمة بلا روابط وبلا برامج وبلا هدف ويزيد الوهم تعمقا في حياتنا أن يظن الحاكم العربي أنه يمتلك أوراق قوة في ملعب التصارع الدولي والإقليمي ويعيش السياسي العربي أوهاما كبيرة وهو يفاوض الأجانب ويعتقد أنه بإمكانه تحقيق شيء على أرضية المفاوضات ويقدم الدليل تلو الدليل عن صدق نيته وقوة اندفاعه نحو التسوية بالتفاوض.. وفي هذا الباب ضاعت منا فلسطين والقدس وكثير من مصالحنا الإستراتيجية على مذبح من أوهام سياسيينا ومثقفينا.
ليس فقط فكرُنا الحضاري مهزوما وليس فقط فكرنا السياسي مهزوما، بل وأكثر من ذلك سلوكنا الحضاري مهزوم وسلوكنا السياسي مهزوم، ورغم عدم التلاقي دوما بين المهزومين إلا أن الفوضى العارمة في كل شيء تعني بوضوح أننا أصبحنا حالة ميئوساً منها.. نحن بالضبط نعاني من انفصام شخصية فلا نحن أصحاب رسالة مع أننا نفتخر بها ولا نحن أصحاب ثروة مع أنها ظاهريا باسمنا..
إن الإشارة إلى بعض النماذج الرديئة في وطننا العربي يكشف لنا حجم المأساة التي نعيش وإنها ليست بسبب عنصر واحد إنما هي بفعل عدة عناصر متعاونة فيكفي أن نتأمل نماذج ليبيا وسورية والعراق وفلسطين لنكتشف أن التخريب الذاتي هو الأساس في القصة كلها ومن ثم وجد الأعداء التاريخيون فرصتهم في تحريك كل عناصر التخريب.
ماذا يعني هذا الاتجاه في الكلام؟ إنه بوضوح يعني الإشارة إلى أي مستقبل ينتظرنا فيما لو لم تتحرك طلائع الأمة في إحداث الاشتباك الضروري مع المشروع الاستعماري.. وهنا أسرع إلى القول إن الله سبحانه وهبنا قضية تعدُّ كنزا عظيما؛ إنها قضية فلسطين وهي قادرة أن تخرجنا من الفوضى وأن تجمع شتاتنا وتطهّر أرواحنا وتأخذ بيدنا إلى الفعل الايجابي وهي فقط لا سواها من يستطيع أن يحل التشابكات الخطيرة في أمتنا.. وستظل القضية الفلسطينية بوهجها وحيويتها تفعل فعلها بفصول متجددة لإحداث مزيد من الوعي واستنهاض الهمم والارتقاء بالأداء..
على ضوء قضية فلسطين ونورها المقدس من شجرة مقدسة زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.. فهي التي أنقذت الرسالة في سنواتها الأولى بأن فتحت في سمائها بابا للعروج إلى سدرة المنتهى فهي دوما القادرة أن تفتح الأبواب للخروج من التشتت والتمزق وعنت الأوضاع المقيتة.
طلائع الأمة مثقفون وسياسيون شرفاء ومتعلمون وشباب أمام الخيار الصعب: فإما إلى المواجهة مع الكيان الصهيوني وجودا وثقافة وأمنا وتطبيعا أو مزيد من الضنك والشقاء.. ولن يجد العرب والمسلمون والأحرار قضية مثل فلسطين توحدهم وتدفعهم إلى خير الإنسانية.. ومن هنا تتجلى روعة فلسطين وأهمية التعامل بجدية مع قضيتها.. إن فلسطين اليوم كما كانت في مهد الرسالة باب الأمل والتفاؤل والانتصار والسيادة.. تولانا الله برحمته.
إن أمن مجتمعاتنا مهدّد، فلقد تحوّل كل مقدس لنا إلى عبء كبير، فالإسلام حبل الله المتين الذي يوحّد الناس ويدفعهم إلى التراحم والتعاون والعدل والتسامح، تحوّل بفعل ثقافة مشوّهة إلى أن أصبح من أخطر أدوات التفجير الداخلي وتدمير المجتمعات..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!